ماذا يكمن وراء تمرد الفلوجة؟

يشكل موقع المدينة المتمردة, وتاريخها القريب, ومجتمعها شديد التماسك, عناصر تضافرت لتجعل منها الأرضية المثالية لتغذية التمرد

ماذا يكمن وراء تمرد الفلوجة؟

يشكل موقع المدينة المتمردة, وتاريخها القريب, ومجتمعها شديد التماسك, عناصر تضافرت لتجعل منها الأرضية المثالية لتغذية التمرد

Tuesday, 22 February, 2005

مع انتهاء الانتخابات الأمريكية والتأكد من الولاية الثانية لحكم جورج بوش, يهيء العراقيون أنفسهم لبدء هجوم شامل على مدينة الفلوجة المضطربة, غربي بغداد.


لقد أخذت قوات التحالف بقيادة أمريكا مواقعها حول المدينة, وزادت الطائرات السمتية من طلعاتها فوق المنطقة فيما تقوم الدبابات باغلاق الطريق السريع بين بغداد والأردن الذي يمر عبر المدينة.


ومن النتوقع ان يقترن أي هجوم بعملية عسكرية واسعة النطاق للسيطرة على المدينة المجاورة الرمادي, في حين ستغلق الحدود العراقية ـ السورية لمنع المسلحين الأجانب من اجتيازها للمشاركة في القتال.


ولكن, مالذي حول الفلوجة, أكثر من أية مدينة عراقية, الى قاعدة ساخنة للمقاومة؟


بينما سادت أخبار المدينة على التغطية الاعلامية الدولية لأخبار العراق, يقدر المسؤولون ان مجموع سكان الفلوجة وضواحيها يبلغ (300) ألف فقط. وان معظم أفراد المجتمع المتماسك ينحدر من سبع عشائر محلية هي زوبع والجميلات والفلاحات وألبو علوان وألبو محمد وألبو نمر وألبو كلب.


وعلى الرغم من سياسة فرق تسد التي اتبعها النظام السابق بتفضيل بعض العشائر على غيرها, فان المجتمع هنا بقي محافظاً على وحدته.


وفي مدينة قدمت الكثير من المجندين لجيش صدام حسين والى المخابرات والأجهزة الأمنية, فان نهاية حكمه وحل قواته قد حرم عدداً كبيراً من السكان من العمل ومن الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها كمؤيدين أشداء لحزب البعث.


وفي الأوضاع المضطربة التي أعقبت الحرب, نشط الزعماء الدينيون في هذه المدينة ذات الأغلبية السنية, لتعزيز قاعدة قوتهم, وذلك من خلال استغلال المخاوف من ان السنة الذين فقدوا حماية حزب البعث, يمكن ان يجدوا أنفسهم قريباً مهمشين في ظل تكريس القوة السياسية للغالبية الشيعية في البلاد.


ان فكرة الانتخابات العامة في البلاد التي تؤدي بشكل رئيس الى تشكيل حكومة شيعية, وكذلك منح كورد شمال العراق نفوذاً أوسع في عملية صنع القرار في البلاد ـ قد


اعتبرا تهديداً خطيراً.


والعديد في الفلوجة يعتنقون التيار السلفي في الاسلام السني, ويحملون أراءً متطرفة عن الشيعة الذين يقولون انهم أفراد في طائفة مرتدة.


ويردد الأئمة في مساجد الفلوجة كثيراً النداءات الصادرة من هيئة علماء السنة والمجلس الاستشاري السني وهيئة الفتاوى لمقاطعة الانتخابات المقررة في كانون الثاني.


وعلى العكس من مناطق الشيعة, حيث يؤكد الزعيم الديني آية الله العظمى علي السيستاني حاجة الناس الى التصويت, يعد التوجه الى صناديق الاقتراع في هذا الجزء من العراق بمثابة الخيانة.


وفي مقدمة الاختلافات الدينية, يؤمن الكثير من التاس في المدينة انهم سيواجهون مستقبلاً كالحاً اذا ما انتقل العراق الى الفدرالية, وهو نظام هيكلي جاء في قانون ادارة الدولة الانتقالي, على الرغم من ان لا أحد يمتلك فكرة واضحة تماماً عما ستكون عليه هذه الفدرالية. والانطباع العام هو ان المزايا الاقتصادية ستكون من حصة الشمال والجنوب في البلاد, اضافة الى المناطق الغنية بالنفط والزراعة, مما يترك الفلوجة الفقيرة بالمصادر مهملة.


ان المتمردين, بما في ذلك الزعيم الاردني المتطرف أبو مصعب الزرقاوي, قد استغلوا بشدة مخاوف السكان المحليين بشأن المستقبل الغامض, لتغذية العنف الطائفي والعنف ضد التحالف.


اضافة الى السكان المخدوعين, فان الطرق الجيدة التي تمتد الى سوريا والأردن, والقرب الشديد من بغداد, قد منحا الفلوجة, مع الأشياء الأخرى كلها, جاذبية اضافية لقادة التمرد. ان المدينة بالكثير جداً من الناس الذين عملوا في قوات الأمن البعثية, وبالعدد الكبير من الذين كانوا يحتلون مناصب رفيعة في الجيش, فانها تملك قوات عالية التدريب ومؤهلة للعمل المباشر.


بينما تتضافر هذه العناصر كلها في صالح بلورة موقف عنيد لا يتقبل التوافق, فليس من المستغرب ان لا يكون لدى زعماء المدينة الدينيين والعشائريين أية خطط للاستسلام لقوات التحالف او الحكومة العراقية. ان المفاوضات بين الحكومة المؤقتة وشيوخ عشائر الفلوجة وصلت الى النهاية الفاشلة المتوقعة.


وقال رئيس الوزراء أياد علاوي منذ فترة طويلة ان الهجوم العسكري هو الطريق الوحيد لفرض السيطرة على المدينة. والآن فان الرئيس غازي الياور, الذي كان سابقاً يعارض الهجوم بشدة, قد ذكر انه سيؤيد قراراً للسيطرة على المنطقة بالقوة.


ان الكثيرين يشعرون, مع استخدام القوة العسكرية كطريق وحيد الآن لتحييد المتمردين الذين يتحصنون في المدينة, بالعد العكسي للوصول الى موعد هجوم رئيس يمكن القول أنه قد بدأ الآن فعلاً.


ان مشاة البحرية الأمريكية والحرس الوطني الذين غضبوا لمقتل (44) مجنداً الشهر الماضي في شرق العراق, وللهجمات العديدة ضد القوات الأمريكية, ينتظرون بفارغ الصبر رؤية الضوء الأخضر لبدء الهجوم.


*علي الياسري - بغداد


Frontline Updates
Support local journalists