Institute for War and Peace Reporting | Giving Voice, Driving Change
قمع المقاومة السنية العربية
لقد كانت القنبلة التي فجرت مبنى الأمم المتحدة في بغداد وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 20 شخصاً بضمنهم مبعوث الأمم المتحدة السيد سيرجيو دي ميللو ، بمثابة المؤشر لضرورة استئصال جذور العنف وكذلك المتورطين فيه .
حتى الشيعة في الجنوب تعاني من عدم الاستقرار حيث هناك بعض أعمال الشغب . إلا إن المقاومة ضد الاحتلال تتركز في وسط العراق . لماذا هذا الحزام السني الذي يمتد بين بغداد وتكريت والموصل تحصل فيه دائماً أعمال عنف وهجمات على الجنود الأمريكان وأهداف أخرى ؟
من السهولة القول إن المثلث السني يقوم بذلك لأنها مناطقهم المفضلة ، لكن هذا يبدو اكثر تبسطاً .
فالوضع السياسي المشكل في العراق – وميراث حكم صدام – يعرض مشاهد اكثر عمقاً من هذا .
فبعد سقوط بغداد وانتهاء نظام صدام ، فقد سارع العراق لتكوين ثلاث مناطق سياسية رئيسية : المنطقة الكردية المستقرة في الشمال ، المنطقة الشيعية الهادئة في الجنوب ، ومركز السنة الذي يعيش حالة الاضطراب وعدم الأمان .
فمنذ البدايات عام 1921 كان العراق هو البلد الوحيد الذي تسيطر علية الأقلية السنية التي تقمع بالعنف كل أشكال المقاومة المعارضة . فكان الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب يتعرضون إلى كل أشكال الاضطهاد العرقي خاصة بالنسبة للأكراد السنة ، والاضطهاد الديني للشيعة . وفي المقابل قاموا بتشكيل خلايا سياسية معارضة سرية في مناطقهم المتفرقة .
ففي مناطق الحكم الذاتي الكردية ، فقد تشكلت الخلايا بقيادة سياسية ثابتة منذ العام 1991 ، بينما ظلت في الجنوب كقواعد تعمل لما بعد نظام صدام .
إن القصة مختلفة بالنسبة للسنة في وسط العراق . فنظام صدام هو الشكل السياسي الأقوى على الساحة . فقيادات الجيش والحزب والأمن والمخابرات هم وسط العراق . وقد وجد السنة إن من السهل قبول قيادة البعث بسبب بسيط هو انهم منحدرين من مجموعة واحدة . وأحزاب المعارضة السنية التي وجدت إنما كانت تعمل من المنفى وتأثيرها قليلاً على ارض الواقع . ومع سقوط صدام واختفاء الحكومة المركزية خلق هناك فراغاً سياسياً في عموم القطر ما عدا في مناطق الشمال الكردية المحررة . وقدمت الأحزاب الكردية والشيعة إطاراً سياسياً وتحركوا لمليء ذلك الفراغ .
فالحزبين الكرديين ، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني قد قاموا بإدارة معظم مناطق الشمال منذ العام 1991 . وبعد تحرير المناطق الكردية الأخرى من نفوذ صدام والبعث امتدت سيطرتها هناك أيضا .
اللاعبون الإسلاميون في الجنوب اليوم هو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة الإسلامية والحوزة العلمية التي يرأسها علماء الدين .
وباستثناء الحوزة ، فان جميع هذه المجاميع السياسية قد مثلت في الـ 25 عضواً الذين مثلوا مجلس الحكم الذي أسس في 13/7/2003 .
والسنة الذين كانوا يتمتعون بامتيازات في زمن صدام قد تركوا دون قيادة أو مكان يلجأون إليه ، فقيادتهم ذابت مع سقوط النظام ولا شيء ليحل محلها . ومن نتائج ذلك إن أحداً لم يمثلهم في مجلس الحكم .
ومنذ سقوط النظام ووصول الأمريكان للعراق ، فقد تحرك السنة في اتجاهات عديدة ، بعظهم عاد إلى الجوامع وبعظهم إلى شيوخ عشائرهم حيث كان لهم تاثيراً إجتماعياً ودينياً أيام صدام ، ولم يكن لهما تاثيراً سياسياً .
إن البنى التحتية لنظام صدام وحزب البعث وبقية المؤسسات التي من خلالها فرض سيطرته ، بقيت على حالها ولم يمسها أحد من الأمريكان حيث أعلنوا انتهاء النظام القديم . الشيء الوحيد الذي حصل هو عدم دفع رواتب منتسبيها .
ونتيجة لذلك ، قام مناصروا صدام ، منهم البعثيين وأفراد الأمن بالتخطيط والتنفيذ لهجمات ضد "الجيش المحتل " مستخدمين الجوامع وروابطهم العشائرية كغطاء لهم .
في السنين الحالية ، معظم الجوامع في المثلث السني كانت تحت تأثير الوهابية التي جاءت من العربية السعودية . وكذلك أعضاء من تنظيم القاعدة وأجنحتها المتطرفة قد سجلوا حضوراً في بعض الجوامع . فقد بدأوا دخولهم القطر بداية التحضير للحرب تحت ذريعة " المتطوعين العرب " وقد أغلقت بعض الأنظمة في المنطقة عيونها عن أولئك المتطوعين لتحويل الأنظار عنها إلى العراق . إلا إن بعض النقاد في تلك الدول أشاروا إلى رغبتهم لبعض التحولات السياسية في العراق والتي قد تقود إلى إثارة العديد من الأسئلة حول أنظمتهم الأقل ديمقراطية .
بعض شيوخ العشائر السنية الذين استفادوا من حماية النظام يشعرون إن الأمريكان استعدوهم ، وهم يعارضون الوجود الأمريكي في العراق .
إن هذا الخليط المتفجر المؤلف من أنصار صدام ، وشيوخ العشائر الساخطين والأصوليين الإسلاميين الذين يكون ما يدعى " المقاومة العراقية " الذين بفتقدون القيادة المركزية القوية . فهم يهاجمون أهدافهم بشكل عشوائي وكلما سنحت لهم الفرصة .
معظمهم يقول إن الوضع الاقتصادي المتردي والسلوك الخشن لجنود التحالف قد قاد إلى تلك الهجمات .
وعلى أي حال ففيما يخص نفس الظروف في المنطقتين الأخرى من القطر ، فان هناك معارضة لكن سياسية لا تستخدم العنف .
وفي محاولة لاحتواء المثلث ومنحه قيادة شرعية للتمثيل فقد أشرك بعض السنة من المعارضة في المنفى وبعض الأعضاء غير المهمين في زمن صدام في تشكيلة مجلس الحكم . إلا إن أياً من لم يحصلوا على تأييد جماهيري لأنهم لا يملكون خلفية جماهيرية .
ومع تصاعد أعمال العنف ، فان الحل الوحيد هو عمل محاولة جادة لإشراك السنة في مجلس الحكم . ومثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، فقد يكون هناك أناس يعارضون الوجود الأمريكي ، ولكن بإعطائهم بعض الشرعية وعدم دفاعهم عن العنف ، قد يكون لهم دور يلعبوه .
بعض أولئك الأشخاص من البارزين في النظام السابق الذي لم يتورطوا في جرائم ، مثل وزير الدفاع السابق سلطان هاشم وبعض قادة العشائر السنية مثل الدليم والجبور .
ومما يثير التناقض هو إن المنطقة المركزية في العراق قد تصبح تعددية سياسية باتجاه النموذج الفدرالي ، على المدى القصير ، إنها ستحتوي العنف بمنع السنة من أعمال الدمار في الشمال والجنوب وعلى المدى البعيد ، بتمكين المناطق الكردية والشيعة من التقدم والازدهار دون التفات لما يحصل في المركز ، مما قد يشكل نموذجاً للتطور الاقتصادي والسياسي للمناطق السنية لتحذو حذوه .
أخيراً ، إن التطرف الإسلامي يجب إن يعالج . وبما إن جذوره خارج العراق ، فان الدول المجاورة عليها إن تقوم بمنع تدفق " المتطوعين العرب " أو المتطرفين الإسلاميين ، وكأجراء أولي إن يمنعوا حملات التجنيد " للجهاد في العراق " .
هيوا عثمان محرر / مدرب في iwpr في العراق