عندما واجه الصدريون صدام

تستعيد انتفاضة مقتدى الصدر ذكرى التمرد الذي أثاره اغتيال والده قبل (5) سنوات

عندما واجه الصدريون صدام

تستعيد انتفاضة مقتدى الصدر ذكرى التمرد الذي أثاره اغتيال والده قبل (5) سنوات

Tuesday, 22 February, 2005

وصلت سبع دبابات أمريكية من طراز (أم آي أ آي) لإخماد تمرد أعضاء جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر, وتوقفت في شارع واسع مغبر على مسافة بضعة أمتار من جامع المحسن الواقع في شمالي شرقي بغداد.


على كل حال, فان هذه ليست هي المرة الأولى التي يشهد فيها هذا الحي العصيان, فقد انتفض الأهالي قبل خمس سنوات ضد قوات أمن صدام حسين بعد اغتيال والد مقتدى, آية الله سيد محمد صادق الصدر الذي كان يحظى باحترام كبير على نطاق واسع.


لقد أصبحت صورة الشهداء ـ الصدر وولديه الكبيرين وهم صرعى رصاص البنادق الرشاشة في سيارتهم عند مغادرتهم الجامع بعد أداء صلاة المغرب ـ موضوعاً للتصوير الديني.


وألقى صدام مسؤولية قتل الثلاثة على رجال الدين الآخرين, لكن القليل من العراقيين ساورتهم الشكوك بان أزلام الدكتاتور هم الذين اغتالوا آية الله المفوه.


وكان ممثل الصدر المحلي عادل الشرع بلحيته التي وخطها الشيب على الرغم من ان عمره (29) سنة, أحد رجال الدين من أتباع الصدر الكبير في هذا الحي الممتد بلا انتظام والذي كان اسمه مدينة صدام لكنه استبدل باسم مدينة الصدر بعد سقوط الدكتاتور.


بعد يوم من مقتل الثلاثة, كان الشرع في جامع المحسن حيث تجمع الأهالي المصدومين اثر سماعهم بالأخبار.


وقال الشرع ان الناس وبعد ان "أدوا صلاة الغائب على روح قائدهم الفقيد", تجمعوا أخيراً في الشارع.


في غضون ذلك, تجمع أفراد الجيش الشعبي البعثيين مع قوات الأمن في الخارج, وطلبوا من الناس ان يتفرقوا, ولكن المعزين رددوا الهتاف الشعبي لآية الله "لا, لا للشيطان".


وعندما تصاعد التوتر, فتحت قوات الأمن النار, بينما تسلم الناس الأسلحة من الجامع, فاندلعت مباشرة معركة تبادل اطلاق النار, واشتعلت النيران في عدد من السيارات.


لكن قوات صدام تمكنت أخيراً من اقتحام الجامع وقتلت ما يقارب (200) شخص في الداخل, واعتقلت الشرع مع عدد كبير من زملائه رجال الدين.


وجرى اعدام العديد من رجال الدين الذين اعتقلوا وعذب واحد منهم في الأقل حتى الموت. ولضمان عدم وقوع المزيد من المشاكل من السكان فقد أغلق الجامع وسدت أبوابه باللحيم.


لقد شكل اغتيال الصدر وانتفاضة جامع المحسن علامتين على نهاية النهضة الدينية للشيعة التي استمرت لمدة سنتين, لكن هذا لم يقض على الحركة كلياً.


وخلال التسعينات وكجزء من استراتيجية عامة لتشجيع الدين التي سميت (الحملة الإيمانية الكبرى) وكان هدفها دعم شرعية النظام, سمح صدام للصدر بتقديم صلاة الجمعة الجماعية والقاء خطبة الجمعة. واذا كان صدام قد توقع ان الصدر من علماء الدين المتواطئين, فقد كان على خطأ.


لقد تعمق الصدر في فلسفة قريبه محمد باقر الصدر , وهو أحد رواد نظرية الشيعة الاسلامية السياسية, الذي اغتاله النظام عام 1981.


وأطلق الصدر اسم "الحوزة الناطقة" على حركته الفتية, وشجع العديد من أتباعه على دراسة الدين لتقديمه الى الناس في حياتهم اليومية, والعودة الى المرجعية الدينية طلباً للتوجيه.


وكان الشرع وقتها طالباً في الجامعة التكنولوجية وعمره (20) سنة عندما واجه للمرة الأولى حركة الصدر.


وقال الشرع "كنت أصلي, لكن صلاتي كانت دون صوت, ودون موقف سياسي, وقد منحني السيد ذلك الصوت". ولقب السيد الذي استخدمه الشرع هو تشريف يعني ان الصدر ينتسب الى الرسول الكريم محمد (ص).


وأصبح الشرع طالب حلقة دينية بتوصية من آية الله حسن الناصر, أحد أتباع الصدر, بينما لف الصدر نفسه عمامة الشاب الشرع عند تخرجه.


منذ ذلك الحين اتخذت خطب الصدر طابعاً سياسياً متزايداً.


وتصدى للقضايا التي تشغل بال المسلمين مثل قضية فلسطين والعقوبات على العراق, لكنه كان بشكل غير مباشر ينتقد صدام ـ الذي يتعاون مع الأمريكان ضد العراقيين.


وفي ذلك الوقت كانت الخطب تسجل على أشرطة تسجيل (كاسيت) وتوزع على نطاق واسع في أرجاء البلاد ـ وكانت أحدى الأصوات التي لم يستطع النظام السيطرة عليها.


ويقول الشرع ان خطب الصدر كانت فعلاً "تهدد عرش الطاغية", ونتيجة لذلك "روجوا شائعات بانه جاسوس ويتعاون مع صدام".


لكن الشرع يقول ان الناس تجاهلوا هذه الروايات واتبعوا أوامر الصدر بالتوجه الى النجف وكربلاء مشياً على الأقدام للإحتفال بأعياد الشيعة الدينية, وهي ممارسة منعها النظام منذ السبعينات لسحق النشاط السياسي.


وفي شباط/ 1999, القى آية الله في صلاة يوم الجمعة خطبته رقم (45), مرتدياً كفناً أبيض ـ الذي تحول فيما بعد الى رمز للصدريين والزي غير الرسمي لجيش المهدي ـ وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي يخاطب فيها الصدر أتباعه. فقد اغتيل مساء اليوم التالي.


ولم يقتل الابن الأصغر مقتدى, فورث حركة والده بعد سقوط النظام.


وفيما بدأت الفوضى تسود بغداد ما بعد الحرب فان رجال الدين الصدريين في أرجاء مدينة الصدر أسسوا لجاناُ أمنية لحراسة الأحياء السكنية ومنع نهب المؤسسات العامة, فيما قام الآخرون بتوزيع الطعام والماء.


في غضون ذلك واصل مقتدى الصدر خطب والده الاسلامية. وانتقد الاحتلال الأمريكي مع أنه ظل دائماً يحتفظ بمسافة قصيرة عن الدعوة المباشرة والواضحة للعنف.


وفي صيف عام/ 2003 أسس جيشه (المهدي) كبديل للجيش العراقي الجديد الذي أسس حديثاً تحت اشراف الأمريكان.


ووضع أتباع الصدر مقتدى في مقابل مجلس الحكم الذي عينه الأمريكان وكان في معظمه من العراقيين الذين عاشوا خارج البلاد في زمن نظام صدام.


وقال أحد الشباب في مكتب الشرع وعرف نفسه باسم أبو معتز "ان السيد مقتدى ليس مثل أعضاء مجلس الحكم, لقد عاش أوضاعنا ومعاناتنا ويعرف ماذا نريد, أود أن أقف مع السيد مقتدى حتى لو سحقتني الدبابات الأمريكية".


واليوم, يتهم التحالف الصدر وأتباعه بقتل رجل دين شيعي في نيسان/ 2003, وبالتحريض على العنف من خلال مقالات صحيفة الحركة, وبارهاب بقية العراقيين, حتى ان الناطق باسم التحالف العميد مارك كيميت تعهد (بالقضاء) على جيش المهدي, وهناك دليل على ذلك الجهد.


وفي مكان يفصله عدد قليل من الغرف عن مكتب الشرع حيث كان يتحدث, عرض أتباعه يقايا صاروخ جو ـ أرض طراز (نار الجحيم ـ 114), الذي ذكروا انه انفجر في جامع صغير مجاور لمكتبهم.


ويقول الصدريون انهم الوحيدون الذين وقفوا ضد التحالف.


وقال أحد الجنود المتطوعين في جيش المهدي في مكتب الشرع "ليس ثمة أي اتجاه سياسي يواجه الطغاة والكفرة. هناك الكثير من العلماء والواعظين الآخرين لكنهم لا يجابهون أي شيء".


*ضياء رسن ـ صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام ـ بغداد


Iraq
Frontline Updates
Support local journalists