رسوم أطفال دارفور لا تكذب

هل سيتمكن المدعون العامون في المحكمة الجنائية الدولية من استخدام رسوم أطفال دارفور، التي تصور المدنيين يتعرضون للاعتداءات، كأدلة في محاكمة جرائم الحرب في المستقبل؟

رسوم أطفال دارفور لا تكذب

هل سيتمكن المدعون العامون في المحكمة الجنائية الدولية من استخدام رسوم أطفال دارفور، التي تصور المدنيين يتعرضون للاعتداءات، كأدلة في محاكمة جرائم الحرب في المستقبل؟

Friday, 21 September, 2007
























































كانت آنا سميث تحقق مع لاجئين من إقليم دارفور في شرق تشاد، عندما نصحتها بعض النساء من مخيم للمهجرين بقولهن:
"إن كنت بحاجة إلى معلومات عليك أن تسألي الأطفال"
فجلست، أثناء إجرائها بحثاً لحساب منظمة شن السلام غير الحكومية، في قاعة صف مع أطفال المخيم الذين شردوا من منازلهم منذ ثلاث أو أربع سنوات، وسألتهم عن آمالهم وأحلامهم بواسطة مترجمين يتقنون العربية واللغات المحلية في إقليم دارفور، فأجاب العديد منهم بأنهم يريدون أن يصبحوا أطباء أو أساتذة ليلتحقوا بالخدمة المدنية.


وكان جواب أحد الأطفال وعمره ست عشرة سنة:"لا أريد أن أصبح متمرداً، أريد أن أتعلم وأتابع دراستي، لأتمكن من مساعدة شعبي". وكان هذا الطفل قد شهد مقتل والده بأم عينه، عندما كان عمره أربع عشرة عاماً.


ثم طلبت شميت من الأطفال أن يدونوا مذكراتهم، وإذا بأحد الأطفال يسألها: هل يمكننا أن نرسم بدل أن نكتب؟
وهكذا رسم أطفال تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثامنة عشرة، لوحات تصور قراهم ملأى بالدبابات، وبرجال ملثمين يمتطون خيولاً، بيوتهم تلتهمها النيران، والمروحيات تحلق في السماء.


وبعد أن جمعت منظمة شن السلام الرسوم، طلب المترجمون من الأطفال أن يفسروا ما جاء فيها، وأن يكتبوا الشرح على ظهر كل منها.


لقد نقلت هذه الرسوم مشهداً مروعاًً، كانت المروحيات تحمل إشارة الطائرات الحربية، و يمثل الرجال الملثمون أفراداً- من ميليشيا الجنجويد، والقرى تشتعل بنار الغارات، والفلاحون يتعرضون لإطلاق النار دون رحمة، والنساء تقاد مكبلة بالسلاسل، والمدنيون العزّل يحاولون صد الهجوم والدفاع عن أنفسهم بالحراب والسهام.


ومما لاشك فيه أن هذه الحكايات المصورة تتعارض مع إصرار الخرطوم على أن معظم ضحايا الهجمات، تنتمي إلى حركات التمرد في دارفور.


وقد صرحت مديرة منظمة شن السلام، لويز رولاند جوسلين، بأن الرسوم توحي بشكل واضح بأن الحكومة السودانية متورطة بشكل مباشر في أعمال العنف، حيث عملت جنباً إلى جنب مع ميليشيا الجنجويد.


وشددت على ذلك بقولها:"لقد استهدفت العمليات المدنيين، وليس المتمردين، وتم قتل النساء والأطفال لا المتمردين، هذه ليست حرباً مدنية، كما أنها ليست حرباً بين المدنيين والحكومة". كما أشارت موضحة إلى أن الرسوم تصور العسكريين الذين شنوا الهجمات، على أنهم ذوي بشرة أفتح من بشرة المستهدفين المعتدى عليهم، وفسرت ذلك بأن الأطفال أرادوا تمييز أنفسهم على أنهم الأفارقة السود، والمعتدين على أنهم العرب.


وعلى الرغم من أن الخرطوم قد تابعت طويلاً إنكار دعمها للميليشيا، فإن المحكمة الجنائية الدولية، المكلفة من قبل مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، بالنظر في الأحداث التي وقعت في دارفور، طعنت مؤخراً بادعاءات الخرطوم.
هذا وقد باشر المدعون العامون التحقيقات في أحداث دارفور عام 2005 ، وأعلنوا في شباط الجاري عن اعتقادهم بأن أحمد هارون، الوزير الحالي للشؤون الإنسانية في السودان، وزعيم ميليشيا الجنجويد علي كوشيب، مسؤولان عن تنسيق أعمال العنف ضد الأبرياء والمدنيين في دارفور.


وصرح المدعي العام السيد لويس مورانو في هذا السياق، بأن هذين الرجلين متهمان بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خلال الهجمات التي شناها على قرى الكدوم وبينديسي وموكجر وأروالة، غرب دارفور، بين عامي 2003 و 2004 . وأن هذه الجرائم شملت: الاغتصاب والقتل والتعذيب وتدمير الممتلكات الخاصة والترحيل القسري.
وأصدرا لقضاة في المحكمة الجنائية الدولية في نيسان الجاري، مذكرتي توقيف بحقيهما.


ومن الجدير ذكره أن منظمة شن السلام تخطط لتقديم الخمسمائة رسم للمحكمة الجنائية الدولية، كدليل على الاعتداءات التي تشنها قوات الحكومة السودانية.


وأعلنت السيدة رولاند جوسلين قائلة:" نعتقد أن هذه الرسوم تشكل دليلاً على جريمة الإبادة الجماعية، وهي تعرض ما حدث خلال السنوات الأربع الأخيرة، كما أنها تشكل دليلاً على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".
كما تعتقد كذلك أن ما يجعل هذه الرسوم أكثر قيمة كدليل، أنها من إنتاج الأطفال. حيث عبرت عن ذلك بقولها:" إن الأطفال أساساً لا يتفوهون إلا بالحقيقة، والحقيقة التي تصدر عنهم أكثر مصداقية ألف مرة من الحقيقة التي تصدر عن الحكومة السودانية".


وقد سأل معهد الحرب والسلم المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية، إن كانت مثل هذه الرسوم مقبولة كدليل في التحقيقات الجنائية وفي محاكمة لاحقة، لكنهم رفضوا التعليق.


ومما تجدر الإشارة إليه أن المدعي العام السيد مورينو أوكامبو يدأب على تشجيع المنظمات غير الحكومية الناشطة في الدول ذات الصلة، على تبادل الأدلة مع فريقه من المحققين. ففي أيلول 2006 دعا هذه المنظمات إلى المساهمة في زيادة الوعي حول المحكمة في أنحاء إفريقيا، كما دعاها إلى دعم ومساعدة الشهود والضحايا، وجمع الأدلة من الميدان.


حيث صرح في المؤتمر للمنظمات غير الحكومية قائلاً:" أود زيادة مشاركتكم لتساعدوا في جمع الأدلة وفقاً للجنس، سيما وأننا لا نستطيع عرض قضية دون أدلة". و أضاف قائلاً:" نشجع مساعدتكم، بهدف توسيع مشاركة الضحايا"
ومن الواجب التنويه إلى أنه في حال تعين تقديم رسوم الأطفال كدليل، لا بد معالجة احتمال أن المنظمة التي جمعتها قد مارست بعض التأثير. وبصفة عامة، تقع على عاتق المنظمات غير الحكومية مسؤولية إثبات أن الشهادات الشفهية وغيرها -الرسوم في الحالة الراهنة- لم تتأثر بأهداف قد تكون مدرجة في جدول أعمال المحققين مسبقاً".


وأعرب المحامي جان فلام لمنظمة معهد الحرب والسلم، عن قلقه إزاء التأثير الذي قد تمارسه المنظمات غير الحكومية على الضحايا، وتساءل عن شرعيتها في الإجراءات القانونية. السيد فلام هو المحامي الذي مثل سابقاً توماس لوبانغا دي يلو، زعيم ميليشيا سابق في جمهورية الكونغو الديموقراطية، متهم بارتكاب جرائم جرب، و ينتظر حالياً بدء محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية.


وأشار السيد فلام إلى أن ملف الادعاء ضد لوبانغا يحتوي العديد من تقارير منظمات غير حكومية، الأمر الذي يدعو على حد قوله للنقاش، سيما وأنه يُشترط في المحكمة أن تكون مستقلة تماماً عن المنظمات غير الحكومية، وعن الدول التي أسستها وتدعمها مادياً، وحتى عن مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة. وشدد على ذلك بقوله:"هذه مشكلة كبيرة".
هذا وقد جمعت جماعة الدفاع عن حقوق الإنسان(الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان)، مؤخراً، رسوماً خاصة بها، من أطفال في مخيمات للاجئين في تشاد. ومن الواضح أن هذه الرسوم تصور بدورها هجمات الجنجويد.


وصرحت السيدة كارين بونو، مسؤولة مكتب العدالة الدولية في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، لمعهد الحرب والسلم، أنه في حال تعين على جهة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، أن تقرر استخدام مثل هذه الرسوم في المحكمة، فلابد عليها أن تصف وبدقة الظروف التي تم فيها الحصول عليها.


وأكد السيد أنطون نيكيفوروف، مستشار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافية السابقة، ومقرها كالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أن المحكمة استخدمت الأدلة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية.


كما أشار إلى أن على الادعاء إعادة استجواب كل الشهود الذين تم تقديم شهاداتهم إلى المحكمة، عن طريق الاتحاد الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث أعرب عن ذلك قائلاً:"سوف نعتبر الشخص الذي جمع أدلة كالرسوم مثلاً، كشاهد خبير ليشرح كيف تم الحصول عليها، كما سنحتاج بعد ذلك إلى توثيقها بشهادات شهود عيان، أو من مصادر أخرى".


وقال لمعهد الحرب والسلم:"وبعبارة أخرى، إن استخدام الأدلة التي يقدمها الأطفال ليس سهلاً على الإطلاق".


وهكذا فإن قبلت محكمة جنائية دولية، الأخذ بأدلة المنظمات غير الحكومية وجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان- بما في ذلك الرسوم- فسيكون عليها أن تلتزم بالتحقق من صحتها، وتوثيقها بأدلة وشهادات أخرى.
وأما إذا تمت دعوة الأطفال للإدلاء بشهاداتهم، فقد يتعرضون لاستجوابات عنيفة من قبل محامي الدفاع الذين سيهاجمونهم محاولين دحض شهاداتهم والتشكيك بمصداقيتها.


ويدعي نيكوروف، أن هناك احتمال" ألا يرغب القضاة في رؤية الأطفال يتعرضون للتعذيب في المحكمة".
وعلى أي حال يتعين على جهة الادعاء، تقديم أدلة دامغة وجادة لشهادات من هذا النوع.


وأما السيدة مارغريت بلو من المجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، فقد أضافت محذرة:" من الصعب الحصول على العدالة". وقد يعرّض تقديم هذه الأدلة، الضحايا للمعاناة النفسية للمرة الثانية ويعيد فتح جراحهم.


ولذلك شددت على حاجة الشهود إلى الدعم قبل وأثناء وبعد الإدلاء بشهاداتهم، وعلى ضرورة أن يكون واضحاً تماماً لدى الأطفال لماذا يرسمون هذه الصور، وأنهم سيحتاجون بالطبع إلى الدعم، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، من المحكمة ومن المنظمات غير الحكومية التي تعاملت معهم.


إذ قالت السيدة بلو:"لا يمكن إعادة فتح جراحهم ثم تركهم. إن تأمين الحماية الكافية لحقوق الأطفال، أمر منوط بالمحكمة".
وبما أنه لابد من ربط الأدلة الجنائية بشخص محدد، فمن الممكن استخدام الرسوم التي تعرض أشخاصاً بلباس موحد ومروحيات عسكرية كأدلة عامة، في مرحلة أولية من التحقيق.


حيث قالت معبرة عن ذلك :"إنها ليست أدلة ضد متهم بعينه، وهكذا لا يكون على الأطفال المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهاداتهم". ثم أضافت"إن الأخذ بهذه الأدلة بالإضافة إلى وثائق أخرى، قد يثبت هجوم ميليشيا الجنجويد على الأهالي".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلاً من هذه الرسوم التي جمعتها منظمة شن السلام، يحمل اسم الفنان واسم القرية، وعمره الآن ووقت الهجوم، وإلى أن الأطفال على يقين بأن ما رسموا، يصور ما حدث في عامي2003 و2004.


وحسب ما جاء في قول رولاند جوسلين:" نتمنى أن تكون هناك معارض تعرض هذه الرسوم في كل مكان، وأن نتمكن في النهاية من عرضها بشكل دائم في متحف أو نصب تذكاري".


على ظهر احد الرسوم كتب طفل كان ذو أربعة عشر ربيعاً عندما هاجموا قريته، ويبلغ الثامنة عشرة اليوم، من بيته الجديد في مخيم للاجئين:"تمعنوا في هذه الرسوم وسترون ما حدث في دارفور، شكراً وإلى اللقاء لاحقاً".


ريبيكا هيل مساهمة، معهد الحرب والسلم، لندن. كاتي غلاسبورو مراسلة صحفية، معهد الحرب والسلم، لاهاي.

Frontline Updates
Support local journalists