(جورج باكر) يرثي صديقه عمّار الشابندر في الـ(نيويوركر) الأميركية

(جورج باكر) يرثي صديقه عمّار الشابندر في الـ(نيويوركر) الأميركية

Last Saturday night, in Baghdad, my friend Ammar al-Shahbander went to hear a concert sponsored by a local civic group. It was the kind of request - a fun way to support life going on in Iraq - that he didn’t tend to refuse. (Photo: Ammar Al Shahbander)
Last Saturday night, in Baghdad, my friend Ammar al-Shahbander went to hear a concert sponsored by a local civic group. It was the kind of request - a fun way to support life going on in Iraq - that he didn’t tend to refuse. (Photo: Ammar Al Shahbander)
Thursday, 7 May, 2015

كتب الصحفي والروائي جورج باكر "George Packer" في صحيفة "نيويوركر" الاميركية، مقالا بعنوان "حياة حرة في العراق"، يروي فيه نبذة عن حياة صديقه الصحفي العراقي الراحل عمار الشابندر، تعبيرا عن حزنه لفقده، وتكريما لصداقتهما الطويلة.

يستهل "باكر" مقاله قائلا "هذه الليلة، سيقوم مركز PEN الأميركي "منظمة عالمية للكُتّاب"، بتكريم مجلة شارلي اِبدو الفرنسية الساخرة والصحفية الأذربيجانية السجينة خديجة إسماعيلوفا، سأكون هناك للاحتفال معهما، ولكنني أيضا ساتذكر صديقي العربي عمار الشابندر".

ويستطرد في الحديث "وُلد عمار في العراق عام 1973، وفي مرحلة الشباب هرب مع والديه إلى طهران ودمشق، وأخيرا الى السويد، حيث استقرت العائلة وأصبح مواطنا سويديا، درس هناك، وانتقل بعد التخرج من الجامعة إلى لندن وعمل لشبكة أخبار صغيرة تُركّز على قضايا العراق. التقينا في كانون الاول ديسمبر من عام 2002، في مؤتمر لمختلف جماعات المعارضة العراقية في لندن، قبل بضعة أشهر فقط من الغزو الأميركي.

كان لعمار وجهات نظر قوية حول الحرب المقبلة؛ إذ كان يعتقد أنها ضرورية، وأنها ستحرر مواطنيه من السجن الطويل في ظل نظام صدام حسين، وأن العراقي الأفضل تجهيزا لقيادة البلاد الى مستقبل ديمقراطي هو المصرفي الذي يدعى أحمد الجلبي.

كان هذا التفكير "المفعم بالعاطفة والأمنيات" لمحة من المنفى عن أرض الميعاد.

وجاءت الحرب، ودخل عمار وطنه من شمال العراق مع قوات البيشمركَة الكردية.

التقيته مجددا في صيف بغداد الحارق عام 2003.

وفي احدى الليالي ذهبنا برفقة صديق ثالث من عراقيي المنفى، كنت قد التقيت به سابقا في لندن يدعى "مصطفى الكاظمي"، ذهبنا لتناول العشاء في مطعم في الهواء الطلق على الضفة الشرقية لنهر دجلة متخصص في تقديم السمك النهري المشوي (المسكوف).

كان مصطفى يعمل في شبكة تلفزيونية وإذاعية جديدة؛ وعمار يدير مكتب بغداد لمؤسسة العراق، التي كانت تعمل لاستعادة الأهوار الجنوبية التي استنزفت من قبل صدام في حربه ضد الشيعة.

كان التجول ليلا في جميع انحاء بغداد آنذاك غير آمن واشبه بالانتحار، في ظل الاحتلال الأميركي، حيث تنحدر المدينة الى الفوضى وعمليات الخطف الشائعة، وضجيج اطلاق النار في كل مكان، والتمرد في مراحله المبكرة. لم يكن أصدقائي من لندن، أو أنا، نتوقع ذلك.

نظر الي عمار ذو الوجه المستدير والراس الأصلع قبل الأوان، وبابتسامة تآمرية نوعا ما وعينين داكنتين لامعتين قائلا "كنا نعيش في حلم، كانت لدينا فكرة عن العراق عكس الواقع".

كان يتوقع من العراقيين اغتنام الفرصة لبناء مجتمع جديد، لكنهم وحسب ما وصفهم غلب على امرهم خلال سنوات الإرهاب والعقوبات والحرب من ان يفعلوا اي شيء سوى البقاء على قيد الحياة.

وقال "عندما تخبرهم بأن لديهم مثل هذه الفرصة الرائعة للتعبير عن رأيهم، لايكترثون".

كان عمار قد اتخذ موقفا معارضا من الجلبي واتباعه من المنفى، بعد ان استولى على المنازل الراقية في بغداد وتصرف كما لو ان السلطة سلمت له.

كان الكثير من المنفيين السابقين منعزلين ومتعالين جدا عن معرفة مدى استياء ومعاناة مواطنيهم منهم ومن الأميركان.

وصلنا الى منزل عمار قبل حظر التجول في شوارع مظلمة ومهجورة تقريبا.

قال مصطفى، "أنا أفكر في الموت كل يوم"، اضاف عمار بهدوء من المقعد الخلفي "أنا أردد جملة مرارا وتكرارا لزوجتي: "لم اخف من صدام بقدر الصدمة من قبل عقلية الشعب العراقي".

كانت خيبة الامل كافية لتعطي عمار سببا كافيا لترك أحلامه البسيطة ومواجهة واقع العراق المحتل.

وكان من السهل عليه العودة إلى السلامة والراحة في لندن مع زوجته "أنجيلا".

أو، مثل الكثير من المنفيين، كان من الممكن استغلال الفوضى كسياسي أو رجل أعمال اذ كان هناك العديد من العروض.

أو، كان بامكانه تأمين وظيفة ممتازة في البنك الدولي بشهادته ووثائقه.

لكن عمار كان يؤمن بالعراق، وبقي رجلا وطنيا بطريقة عملية، مثالية.

قال انه لن يتخلى عن فكرة أن العراق يمكن أن يصبح أكثر ديمقراطية، وان العراقيين يستحقون ان ناخذ على عاتقنا تلك المهمة.

ورغم ان الوصول الى ذلك أصعب واخطر بكثير مما كان يتصور، الا انه بدأ العمل.

في عام 2004، أصبح مدير معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد، عمل المنظمة هو تدريب الصحفيين في البلدان التي تمزقها الصراعات.

تميز عمار في هذا العمل الذي سرعان ما ترأسه في العراق.

درب هو وزملاؤه العديد من العراقيين الذين أصبحوا صحفيين في عراق ما بعد صدام في التصوير الفوتوغرافي، إعداد التقارير والتحرير، حتى في كيفية تحسين فرص المرء للبقاء على قيد الحياة في منطقة حرب.

خلال أسوأ السنوات من القتال، بين عامي 2005 و2007، عندما توجهت معظم المنظمات غير الربحية الأخرى إلى الأمان النسبي في كردستان، بقي عمار والمنظمة في بغداد، واستمر في العمل في منزل آمن خارج المنطقة الخضراء الأميركية المحمية.

واستمر بالسفر ذهابا وإيابا بين لندن، حيث تعيش عائلته بالقرب من استاد ويمبلي، والعراق.

تمتع باستقلالية في عمله لحساب المنظمة التي مكّنته من الوصول إلى جميع الساسة والفصائل في العراق "الأحزاب السياسية، وزير الداخلية، الصحفيين، الصدريين، والأميركان"، في حين بقي هو الرجل نفسه، لم يدن بالفضل لأحد.

أسس سلسلة من الأفلام الوثائقية للتلفزيون المحلي بشأن قضايا حقوق الإنسان المثيرة للجدل، مثل عقوبة الإعدام، مع ريبورتاج وحلقات نقاش.

ساعد في تأسيس وكالة إعلانات للسيدات فقط لا تزال تعمل اليوم.

درب رجال الشرطة العراقية على استخدام وسائل الإعلام للوصول إلى المجتمعات المحلية،

كان يكره الانقسامات العنيفة "الطائفية والعرقية" ورفض ان يُعرّف بهما.

كان عمار شخصا يميل الى الروحانية لكنه في نفس الوقت علماني بعمق.

بعد انقطاع دام عدة سنوات، كان لي اتصال هاتفي مع عمار قبل بضعة أسابيع، اراد ان يطلعني على أحدث مشاريع المنظمة في العمل على محنة الايزيديين وغيرهم من اللاجئين الهاربين من إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية (داعش)".

وكان قد سافر إلى الحدود العراقية التركية لزيارة مخيم بائس، وأجرى مقابلات مع النساء الايزيديات اللواتي هربن من اسر التنظيم، و اُصبن بصدمات نفسية على اثر الاسر.

وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني من المخيم روى عمار إلى زميله دنكان فيوري قصة لفتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاما قد بيعت بشكل متكرر من قبل مسلحي التنظيم وتعرضت للاغتصاب عدة مرات، اضافة الى التعذيب، قبل أن تلوذ بالفرار سيرا على قدميها لمدة ثلاث ليال حتى وصلت الى الخطوط الكردية.

اجرى عمار محاولات للضغط على الحكومة العراقية والسفارات الاجنبية لتوفير المعونة.

ووصف شعوره تجاه الامر بغضب كبير "جديا لا أستطيع النوم في الليل بعد رؤية هذه الفتاة،...، انا الذي شهد كل شيء".

في ليلة السبت الماضي، كانت نفسية عمار سيئة، لكن أحد الأصدقاء طلب منه أن يذهب للاستماع الى فرقة "النسور" في حفل ترعاه مجموعة مدنية محلية.

لم يرفض الطلب كونه فرصة ممتعة لدعم الحياة في العراق، وقام بنشر تغريدة تتضمن صورة من الحفل وعبارة " “#Baghdad summer..2Guitars playing Hotel California #Iraq #no2isis.” "، التي تشير الى صيف بغداد، عازفي كَيتار يعزفان Hotel California، العراق، لا لداعش

بعد ذلك، ذهب عمار وزميله عماد الشرع إلى مقهى في المنطقة التجارية الحيوية، القريبة من المطعم الذي تناولت فيه أكلة السمك المشوي قبل اثني عشر عاما.

وبينما كانا يغادران المقهى، انفجرت سيارة مفخخة في الشارع، دخلت شظايا الى قلب عمار، وقتلته على الفور، فيما اصيب زميله بجروح خطيرة ونقل الى المستشفى.

وفي مكان قريب، انفجرت قنبلة في نفس الوقت تقريبا.

كان عدد القتلى في هذه الليلة ببغداد سبعة عشر، بينهم عمار ذو الـ41 عاما.

وتبنى تنظيم (داعش) العملية.

في اليوم التالي (الأحد)، كان اليوم العالمي لحرية الصحافة.

و في يوم الاثنين، دفن عمار في مدينة النجف، بحضور والديه، إخوته، مئات من القادة العراقيين والمواطنين العاديين، وزوجته وأولادهما الأربعة، (الذين يبلغ عمر أصغرهم ثلاثة أشهر).

قدم عمار الشابندر حياته لسببين لم يكونا ابدا لضعاف القلوب، واللذين فقدا الدعم مؤخرا، "مستقبل العراق، وحرية التفكير والكتابة".

اليوم.

في هذه الليلة، كما ستُكرّم منظمة PEN الصحفيين الآخرين، الأحياء منهم والأموات.

انا سوف أُحيِّي كذلك، عمار".

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists