تنامي النفوذ الايراني يكشف عن انقسام العراق

زيادة حدة الجدل حول نوايا ايران في العراق بعد تراجع النفوذ الامريكي.

تنامي النفوذ الايراني يكشف عن انقسام العراق

زيادة حدة الجدل حول نوايا ايران في العراق بعد تراجع النفوذ الامريكي.

Saturday, 10 April, 2010

نيل آرون من أربيل وعبير محمد من بغداد  10 نيسان/ابريل 2010

يبدو ان ايران تحاول تشديد هيمنتها السياسية على العراق في وقت خففت فيه الولايات المتحدة من قبضتها العسكرية فيه. وقد سبب صعودها انقسامات عدة، ففي حين تتوسع تأثيرات طهران فان حدود تحركااتها أصبحت أكثر وضوحاً، وفقاً لتقرير خاص من قبل معهد الحرب والسلم.

وكشفت مقابلات أجراها المعهد مع محللين وزعماء سياسيين عراقيين عن انقسام في مواقف السياسة العراقية في الوقت الراهن اتجاه ايران مثلما كانت منقسمة سابقاً ازاء الولايات المتحدة الامريكية.

ويخشى البعض من ان الخلافات الطائفية والعرقية والتي بالكاد هدأت، ستستعر من جديد، في وقت تدفع محاولات ايران للهيمنة على العراق بقية دول المنطقة الى الوقوع في شرك هذه الخلافات.

ويرى بعض آخر بان سياسة ايران التي تعتبر اللاعب الرئيسي في الاقتصاد العراقي، هي أكثر برغماتية. حيث يقولون ان ايران تحاول لملمة سياستها في العراق بدلاً من توسيع تأثيراتها، ولا تملك اية رغبة في تصدير الفوضى الى العراق خاصة في حال انسحاب القوات الامريكية.

وستبدأ امريكا بتخفيف وجودها في العراق المجاور لايران التي تعتبر خصمها الاكبر. فمن المتوقع انسحاب الجزء الاكبر من القوات بحلول نهاية هذا الصيف.

ومن المؤكد بان الحكومة العراقية التي ستنبثق عن الانتخابات الاخيرة ستعزز من سلطة الكثير من القادة الشيعة والاكراد الذين تربطهم علاقات تقليدية وثيقة مع ايران.

وقد زار العديد من هؤلاء القادة الى طهران لاجراءات مباحثات غير رسمية عقب انتخابات السابع من آذار/مارس.

وبالرغم من ترحيب العراقيين بالواردات الايرانية الى بلادهم، إلا ان العديد منهم يشكك عميقاً في دوافعها السياسية. فقد قال عدد من الناخبين الذين تمت مقابلتهم من قبل معهد صحافة الحرب والسلم بعد الانتخابات الاخيرة في البلاد، بانهم كانو متحمسين لمعرفة دوافع الايرانيين من انتهاك سيادة العراق.

وقد انعكست هذه المشاعر على نتائج الانتخابات، حيث تبنت الكتلتان الفائزتان بغالبية المقاعد برامج وطنية. وبالرغم من ان قادة القائمتين من العرب الشيعة، غير انهما أكدا على وعود علمانية مثل تحسين الخدمات والامن. وتجنب كليهما وبشكل واضح الخطاب المذهبي الذي يربطه الكثير من الناخبين بايران.

وفازت قائمة دولة القانون التي يرأسها رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، بالمرتبة الثانية في الانتخابات متراجعة بفارق ضئيل عن قائمة العراقية التي يتزعمها أياد علاوي. ومع ان قادة قائمة دولة القانون تربطهم علاقات صداقة مع طهران، إلا انهم قللوا من التركيز على اصولهم الاسلامية الشيعية، كما ورفضوا الشراكة في الحملات الدعائية مع الاحزاب الدينية ذات علاقة مع السلطة الشيعية الدينية في ايران.

وكانت كتلة العراقية هي الفائز الاكبر في الانتخابات العراقية. ويتزعم العراقية رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي الذي استطاع ان يبني لنفسه صورة رجل علماني قوي بين العراقيين. واستطاعت قائمته تعبئة الناخبين السنة العرب لصالحها بعد اتهام ايران علانية بانها حاولت تخريب حملاتها الانتخابية.

 

شبح الحرب

وفي مقابلة مع معهد صحافة الحرب والسلم قال أحد المسؤولين البارزين في العراقية، بان كتلته تسعى الى تقوية الحكومة لكي تكون محصنة امام تدخلات ايران والدول الاخرى.

وقال اسامة النجيفي، وهو واحد من السياسيين السنة البارزين في قائمة العراقية " تريد العراقية بناء علاقات طيبة مع ايران مبنية على اساس الهوية العراقية وليس على اساس الهوية الطائفية".

وابلغ دبلوماسي ايراني المعهد صحافة، بان بلاده لا تميز بين السنة والشيعة في العراق، بالرغم من انه اعتبر الكتل الشيعية التي فازت باكثر من نصف مقاعد البرلمان بانها أكثر نفوذاً.

وقال قنصل ايران الأول في مدينة اربيل الواقعة شمالي العراق، عظيم الحسيني " نستطيع القول بان سياسات الاحزاب الشيعية عموما كانت أفضل من سياسات بقية القادة العراقيين الذين تبوأو السلطة في البلاد في الماضي".  

ورفض الحسيني الاتهامات التي تشير الى تدخل ايران في الشؤون الداخلية للعراق، مشددا على ان بلاده ترحب برئاسة الحكومة حتى وان كان من قائمة العراقية.

" ليست لدينا مشكلة في فوز علاوي في الانتخابات" قال الحسيني. " ان علاقتنا مع العراق ودية وهي مبنية على الصداقة".

لكن الحسيني أضاف بان ايران تعارض اية محاولة لاحياء نفوذ حزب البعث الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وقال موضحاً " اذا كان هناك في تحالف علاوي أشخاص يحملون أفكار البعث، فعليهم ان نبذها والعمل من اجل مصلحة العراق". وأضاف " ان الشعب العراقي لا يريد سياسات بعثية، وايران هي مع تطلعات الشعب العراقي".

وفي معرض رده على أقوال القنصل الايراني، قال النجيفي بانه لا يوجد اي بعثي في قائمة العراقية و " سنوضح هذه القضية في محادثاتنا مع المسؤولين الايرانيين".

وكان قد منع عدد من المرشحين البارزين في العراقية من خوض الانتخابات على خلفية مزاعم ارتباطاتهم بحزب البعث المحظور. وكانت اللجنة التي أصدرت قرار المنع المثير للجدل مدعومة من قبل حكومة المالكي والاحزاب الشيعية المتنفذة في البلاد.

وقد وصف زعماء كتلة العراقية قرار المنع بانه تسقيط سياسي يهدف الى تأجيج المشاعر الطائفية وحرمان السنة العرب، الذي اعتمد حزب البعث عليهم بشكل اساسي في قياداته، من حقوقهم.

وخاض العراق وايران حربا دموية شرسة وغير حاسمة في ثمانينيات القرن الماضي. وكان نزاعاً حدوديا قد اشعل فتيل الصراع الذي اتخذ شكلاً آيديولوجياً بين ايران الفارسية الشيعية ضد عراق حزب البعث القومي العربي، الذي يفترض بانه كان يهيمن عليه العلمانيون من السنة المسلمين.

والجدير ذكره بان ثلثي العراقيين تقريبا هم من العرب الشيعة الذين يتميزون عرقياً عن الايرانيين ولكنهم يتقاسمون نفس المذهب الديني. ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 فان المسرح السياسي العراقي تهيمن عليه الاحزاب الدينية الشيعية التي تربطها علاقات وثيقة مع ايران، والتي تم بناؤها خلال سنوات المنفى ومعارضة نظام صدام حسين.

كما ان تاريخ مقاومة الاكراد لحكومات بغداد التي سيطر عليها العرب يفسر العلاقات المتينة بين الاحزاب الكردية الرئيسية مع ايران. ويؤلف الاكراد الذين ينتمي معظمهم للمذهب السني، حوالي خمس سكان العراق، كما ويمارسون تأثيرا كبيراً في مجلس النيابي في بغداد.

ويشكل السنة العرب أقلية في البلاد أيضاً، لكنهم وعلى خلاف الاكراد ليس لديهم تمثيل فعال في بغداد منذ سقوط نظام البعث.

 

قوة صالحة؟

أملت الولايات المتحدة في ان الانتخابات الاخيرة ستعيد احياء المشاركة السنية في السياسة، وستقلل من التوترات الطائفية، وبالتالي ستسهل من مهمة انسحاب قواتها من العراق.

وأبلغ القنصل الايراني، الحسيني، معهد صحافة الحرب والسلم بان ايران تدعم انسحاب القوات الامريكية، الذي كان ينبغي اتمامه قبل وقت طويل. "ان وجود القوت الامريكية في اي بلد اجنبي يعني اثارة المشاكل" قال الحسيني. "واذا خرجت هذه القوات من العراق فسنكون سعداء جداً".

ويؤيد سياسيون عراقيون من السنة والشيعة انسحاب الجيش الامريكي من العراق، إلا انهم يختلفون بشدة حول الدور الذي تنوي ايران لعبه في حال مغادرة الجيش الامريكي. بعضهم متفائل وآخرون قلقون.

ويقول نورالدين الحيالي، أحد الساسة السنة البارزين " تريد ايران تصدير آيديولوجيتها الشيعية وتوسيع نفوذها".

 " تريد طهران حماية مصالحها عبر الابقاء على الاحزاب التابعة لها في السلطة". قال الحيالي.  وأضاف " ستحاول الجماعات التابعة لايران تهميش الاحزاب الاخرى".

لكن من جهته يتوقع هادي الحساني ، النائب البرلماني السابق عن حزب الدعوة ومرشح عن قائمة دولة القانون التي يرأسها المالكي، ان يكون لطهران دورا ايجابيا متصاعدا في العراق.

" ستكون لايران علاقات افضل مع العراق بعد انسحاب القوات الامريكية" قال الحساني مشيراً الى ان الانسحاب سيحرم الجماعات المسلحة التي تدعي مقاومة الامريكيين من حجة شن المزيد من الهجمات.

وأضاف الحساني بان حزبه يعتبر ايران قوة خيرة في العراق، لكنه يعارضها في بعض النقاط "نحن لن نسمح لايران او لاي أحد آخر بالتدخل في شؤون العراق الداخلية". قال الحساني مستشهداً بمثال الحملة العسكرية التي شنها المالكي على الميليشيات الشيعية في عام 2008 .

ولطالما اتهمت واشنطن طهران بتزويد الجماعات المسلحة الشيعية بالاسلحة لشن هجمات على قواتها، إلا ان ايران نفت على الدوام هذا الاتهام.

وأيدت مسؤولة بارزة في المجلس الأعلى الاسلامي، وهو احد الاحزاب الاسلامية التي تربطه علاقات وثيقة برجال الدين الشيعة، الراي الذي يقول ان الانسحاب الامريكي سيساعد على استقرار العراق ويبني علاقات أكثر دفئاً مع ايران.

وقالت منى زلزلة، وهي من الاعضاء البارزين في المجلس الأعلى " طالما بقيت القوات الامريكية في العراق، فستكون العلاقات متوترة بين امريكا وايران".

"لدينا علاقات طيبة مع كل من ايران و الولايات المتحدة ، بالرغم من كونهما عدوين" .قالت زلزلة ذلك كبرهان على استقلالية حزبها في العمل، بالرغم من علاقات الصداقة التي تربطه بايران.

ويشكك خصوم كل من مجلس الاعلى وحزب الدعوة في قدرتهما على تحدي ايران بسبب علاقاتهما التاريخية القوية معها.

ويرى الحيالي ان السياسيين الذين وقفوا بصدق بوجه النفوذ الايراني، كان عليهم ان يبنوا روابط قوية مع خصوم طهران من الدول العربية السنية في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي.

ويقول الحيالي " هناك حاجة الى استراتيجية خارجية وداخلية لمواجهة النفوذ الايراني". واضاف موضحاً " الاستراتيجية الخارجية تكون مبنية على علاقات اقوى مع الدول العربية وتركيا. بينما تطلب الاستراتيجية الداخلية توحيد جميع الكتل المعارضة لايران".

 

علاقات روحية ومادية

وينقسم المحللون حول ما اذا كان انسحاب القوات الامريكية سيوسع من نفوذ ايران الى درجة جر خصومها في المنطقة الى صرعات بالوكالة داخل العراق.

ويقول المحامي والصحفي ابراهيم الصميدعي من بغداد، بان ايران تنوي الدفع باتجاه المزيد من النفوذ في العراق والمنطقة.

"اذا كانت طموحات ايران تقف عند حدود االعراق لكانت وصلت الى اتفاق مع امريكا. لكنها تريد ان تلعب دورا أكبر في الخليج وعموم الشرق الاوسط". قال الصميدعي.

وحذر الصميدعي من حدوث المزيد من التوترات في وقت يحاول معارضو ايران في العراق الحصول على دعم خصومها في المنطقة. " السعي وراء علاقات كهذه سيعيد الاستقطاب الطائفي".

كما ويرى بعض المراقبين بانه ربما ستتبنى الحكومة الايرانية سياسة أكثر شدة ازاء العراق لكي تتصدى لتهديدات محتملة من جبهات اخرى مثل اعادة ظهور حركات المعارضة في الداخل، او الضغوطات الامريكية على برنامجها النووي.

ولكن هناك محللين آخرين أقل تشاؤما، حيث يرون ان قادة ايران لا يريدون الوصول الى اكثر ما لديهم أصلا ولا يرغبون في تعريض مكاسبهم في العراق الى الخطر.

وتقول مارينا أوتاوي، مديرة برنامج الشرق الاوسط في معهد كارنيغي لتعزيز السلام الدولي في واشنطن " هناك درجة كبيرة من الواقعية في سياسة ايران في المنطقة".

" من الصعوبة تصور الاحزاب الشيعية تفرض دولة دينية في دولة ذات تعددية مثل العراق". قالت أوتاوي.

" تتمنى ايران ان تظل دولة مؤثرة في العراق مع وجود اقتصادي وسياسي قوي .. لكنني اشك بانها تتوهم بانها تستطيع السيطرة على العراق".

وتقول أوتاوي بان الولايات المتحدة تتمنى احتواء النفوذ الايراني بواسطة تعزيز اتفاقيات عسكرية مع دول اخرى في المنطقة. لكنها قالت بان لا امريكا ولا حلفائها العرب في المنطقة يريدون الدخول في مواجهة عنيفة مع حلفاء طهران في العراق.

"لدى دول الخليج علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة، لكنها ايضاً لها علاقات جيدة مع ايران" قالت اوتاوي. " ان الامور جيدة بينهم وبين ايران، كما وبينهما مصالح تجارية باستمرار".

"ان الولايات المتحدة اقتنعت بان ايران ستكون القوة السياسية الرئيسية في البلاد بسبب ممارستها النفوذ على المؤسسات الشيعية التي تشكل جزءا من نسيج البلاد". أضافت أوتاوي.

وتتبدى العلاقات الروحية والاقتصادية الايرانية مع العراق بشكل اكثر وضوحا في مدينة كربلاء التي تضم بعض العتبات الشيعية المقدسة.

ومنذ سقوط نظام صدام حسين يزور مئات الآلاف من الايرانيين مدينة كربلاء كل عام. وتتكدس البضائع الايرانية في اسواق المدينة ، كما ويتحدث تجارها اللغتين العربية والفارسية.

ويقول حيدر محمد سلمان، الاستاذ في احدى الكليات الاهلية في كربلاء، انه يرحب بالتقارب الثقافي والتجاري بين البلدين ولكنه عبر عن قلقه من التدخلات الايرانية.

فيما يقول حسين عليوي الاميري، ويعمل في احدى منظمات المجتمع المدني، ان الاقتصاد العراقي هو الشيء الوحيد الذي استفاد من العلاقات الوثيقة مع ايران.

" تتدخل ايران في السياسات العراقية وتوجه القرارات لصالحها دون مراعاة مصالح العراق". قال الاميري. واضاف " بعيدا عن التجارة بين تجار البلدين، لا تساهم ايران باي دور ايجابي في العراق".

 

نيل آرون محرر العراق في معهد صحافة الحرب والسلم من اربيل. وعبير محمد كبيرة المحررين المحليين في المعهد من بغداد.

وساهم المراسل المتدرب في المعهد نجيب محمد في كتابة هذا التقرير من اربيل. كما وساهم مراسل متدرب في المعهد لم يشأ الافصاح عن اسمه لاسباب أمنية، من كربلاء في كتابة هذا التقرير.

*هذا المقال هو الاول من سلسلة مقالات تتناول علاقات العراق مع جيرانه.

Iraq, Iran
Regime
Frontline Updates
Support local journalists