العامل الشيعي

بقلم: يوسف الخوئي –لندن- (تقرير ألازمة العراقية المرقم 1 في 28 شباط 2003)

العامل الشيعي

بقلم: يوسف الخوئي –لندن- (تقرير ألازمة العراقية المرقم 1 في 28 شباط 2003)

Tuesday, 22 February, 2005
IWPR

IWPR

Institute for War & Peace Reporting

كان العراقيون بين المطرقة والسندان في ظل الحكم الجائر لنظام صدام حسين، مطرقة مساندة الغرب لصدام، وسندان الصمت العربي على ظلمه.


من هنا يكون الغرب والعرب مسئولين عن معاناة العراقيين، وكل يحمل جزء من مسؤولية ما بجري من مأساة الآن ومن احتمالية العمل العسكري الذي لا يستطيع العراقيون مواجهته.


إذا قدر للعراق أن يخوض الحرب، فأن ردة فعل معظم العراقيين إزاءها ستكون مختلفة عن ردة فعل بقية العرب والمسلمين. فقد عانى العراقيون كثيرا من صدام حسين وهم لا يملكون إمكانية قول "لا" للحرب.


لا احد يريد الحرب، وان كان بالا مكان التخلص من صدام دون حرب، فسيكون العمل العسكري بمثابة فشل للدبلوماسية الغربية وفشل للمؤسسات " المتحضرة" للغرب. ولكن أن يبقى صدام في الحكم لفترة أخرى فان الدمار سيكون رهيبا.


لقد همشت فكرة خلق مجتمع عصري في العراق كون الشيعة يمثلون فيه الأغلبية، وكون وجود المرجعية التي لها تأثير مهم على كل الشيعة في العالم وخاصة على شيعة الجنوب وشيعة بغداد الذين يعيشون تحت ظروف صعبة وليس لهم دور في إدارة الحكومة.


كان ذلك هو الاحتياطي الذي استخدمه حزب البعث وأدى إلى تسلم صدام للسلطة خلال أل 35 سنة الماضية. فبعد نجاح انقلابهم في 1968, سارع البعث للسيطرة بمفرده على مقدرات البلد ولم يضيعوا فرصة واحدة من اجل إضعاف المؤسسة الشيعية. فقد تم شراء ذمم بعض شيوخ العشائر وتدمير المؤسسات الدينية الشيعية، وجاء في مقدمة ذلك اتهام السيد مهدي الحكيم نجل آية الله العظمى محسن الحكيم بالجاسوسية. وفي السنوات اللاحقة اتهم آلاف من رجال الدين الشيعة بكونهم من أصل إيراني وتم إبعادهم إلى إيران.


لقد منع النظام إقامة أهم شعائر الشيعة الدينية وهي إحياء ذكرى عاشوراء، حيث ذكرى استشهاد الأمام الحسين حفيد رسول الله وذلك بقطع الطرق المؤدية إلى كربلاء ومحاسبة الموظفين الذين يزورون المرقد الشريف.


لم يكن للشيعة مكان في المؤسسة الإعلامية العراقية المسيطر عليها من قبل الدولة. حتى انك لا ترى أي معمم يصاحب البرنامج الذي يتحدث عن النجف الأشر ف إحدى أكبر المدن الشيعية، فرجال الدين الشيعة لا يظهرون على الشاشة إلا إذا كان حديثهم لمدح الدولة.


وفي العام 1973، أقدم النظام على خطوات شنيعة أخرى ضد الشيعة وذلك بإعدام خمسة من رجال الدين بسبب انتمائهم لحزب الدعوة الذي يمثل اكبر منظمة شيعية. وفي العام 1975 أقدم النظام على غلق المدارس الشيعية الخاصة تحت ذريعة التأميم وتم استبعاد المذهب الشيعي في المناهج المدرسية وتم التركيز على المذهب السني.


وتواترت إعدامات الرموز الشيعية خاصة بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ووصلت ذروتها بإعدام آية الله محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى عام 1980. الإنسان الشيعي كان تحت مراقبة النظام. فكل شاب يذهب إلى المسجد يتهم بانتمائه إلى حزب الدعوة. حتى أن قسم من الشيعة الذين ابتعدوا عن ممارسة طقوسهم الدينية واتجهوا إلى الملذات لم يفلتوا من ملاحقة النظام. فبعظهم قتل والبعض الأخر رحل إلى إيران، وأؤلئك يمثلون التجار الشيعة الذين كانوا يسيطرون على بازار بغداد المركزي.


في عام 1980 وجد الشيعة أنفسهم قد زجوا في حرب مع الشيعة في إيران. وحين رفض أية الله العظمى أبو القاسم الخوئي أن يقف إلى جانب تلك الحرب, فقد تم إلقاء القبض على معظم مساعديه وحرب صدام على شيعة العراق تم بذكاء خلال الحرب ضد إيران، "ليس وطنيا من يقف ضد الحرب" قال صدام ذلك مجندا أعدادا كبيرة من شباب الشيعة.


وبعد هزيمة صدام في الكويت عام 1991 وقمع الانتفاضة الشيعية ضد النظام جنوب العراق، بات واضحا أن صدام يكره الشيعة. فالدبابات التي سحقت الانتفاضة رفعت شعار "لا شيعة بعد اليوم".


وتم تدمير المراقد الشيعية والتشكيك بقيم المذهب الشيعي. حيث تم تدمير كربلاء بيوتا وأسواقا ومراقدا ومراكز دينية.


وأكثر من 100 من العاملين مع أية الله القي القبض عليهم. وتم احتجاز أية الله نفسه وعمره 92 سنة وأخذ بالقوة إلى مركز المخابرات العراقية في بغداد.


ثلاث شهور بعد الانتفاضة وبعد عودة الهدوء، تم هدم جامع تاريخي للشيعة في سامراء (شمال سامراء). كان صدام يهدف إلى مسح كل أثر للشيعة في كل مكان من البلاد.


واليوم فأن عدد رجال الدين الشيعة الذين أودعوا في السجون يفوق عدد رجال الدين الذين سجنوا في كل أرجاء العالم.


أكثر من 200 منهم أعدموا منذ تسلم البعث للسلطة. ومع ذلك يسمي صدام نفسه القائد المسلم. وعدي أبن الرئيس كان يمني نفسه بخلافة أبيه، أدعى انه شيعي في محاولة منه لكسب ود الشيعة.


وفي عام 1991 حث جورج بوش الأب العراقيين للثورة على الطاغية, وحين ثار أكراد الشمال والشيعة في الجنوب تخلت أميركا عنهم وسمحت لصدام باستخدام طائرات الهليكوبتر لسحقهم فيما يسمى بمناطق حظر الطيران التي أنشئت أصلا لحمايتهم وسمحو له أيضا باستخدام الدبابات لسحق عرب الأهوار بعد أن أخبروه أن طائراته لم تنههم جميعا. لقد كانوا يراقبون دون تدخل عملية تجفيف الأهوار وتدمير البيئة وطمس معالمها.


ورغم تلك الخيانة, فأن معظم العراقيين سيرحب بالتخلص من نظام صدام, والشيعة بشكل خاص سيرحبون بالفرصة التي يلعبون بها دورهم في الحياة الوطنية للعراق. أن الشيعة غاضبون وناقمون لكنهم لن يحولو ذلك ضد السنة, فالسنة والشيعة يجب أن يعملوا مجتمعين بعد سقوط صدام.


وفي عام 1991 أظهر الشيعة نضجهم, فهم لم يوجهوا حقدهم نحو أي طائفة عرقية أو مجموعة دينية.. بل نحو نظام صدام. فهم لم يقتلوا السنة بل قتلوا أولئك الذين عملوا مع النظام.


يقع العراق في القلب من الوطن العربي والاستقرار في العراق هو مفتاح الاستقرار في المنطقة, ولهذا فأن العراق بحاجة إلى قانون الطواريء لإعادة بناء البلد وإقامة نظام اقتصادي مستقر وهو بحاجة أيضا للسيطرة على حياته السياسية, فالعراق يملك الكثير من العباقرة الموهوبين وطبقة وسطى قوية تستطيع أن تجعل البلد ينموا ويتطور لان أميركا ليس بأمكانها السيطرة على العراق طويلا بالوسائل العسكرية.


سنكون شاكرين لهم إزاحة صدام حسين ولكن شكرنا سوف لن يستمر أن رغبت أميركا البقاء طويلا.


يوسف الخوئي: مدير مؤسسة الخوئي في لندن


Frontline Updates
Support local journalists