التودد الى مقتدى

وفد من البرلمانيين يتوجه للتفاوض مع الزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر

التودد الى مقتدى

وفد من البرلمانيين يتوجه للتفاوض مع الزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر

Tuesday, 22 February, 2005

ابتسم رجل الدين الشيعي حسين الصدر ابتسامة واسعة عندما أعلن عن مغادرة وفد سلام لمقابلة ابن عمه البعيد مقتدى الصدر, رجل الدين المتطرف المحاصر في مدينة النجف الأشرف سوية مع أتباعه المسلحين.


وقال حسين الصدر في حديث له يوم 17/ آب عندما أعلن الشروط التي وضعها المؤتمر الوطني العراقي في اجتماع عقد قبل يومين لانتخاب المجلس الوطني العراقي الجديد, إلا انه أجبر في ضوء الأحداث على تحويل انتباهه الى التمرد الشيعي.


وفي جهد لوضع نهاية للمأزق مع مقتدى, وضع المؤتمر الوطني جملة من الشروط هي: يجب على الرجل انهاء التمرد المستمر منذ اسبوعين, وان يخلي مرقد الإمام علي (ع), ويحل جيش المهدي التابع له, ويبدأ العمل السياسي.


ان أعضاء المؤتمر البالغ عددهم (1100) مندوب, ومن بينهم رجال العشائر العرب ذوي الدشاديش البيضاء, والكورد بسراويلهم الواسعة التقليدية, ورجال الدين الشيعة المعممين, ونساء في بدلات العمل مع الحجاب, لم تكن لهم في الأصل أية علاقة بالمشاكل المحيطة بالصدر.


ولكن بعد فترة قصيرة من بدء المؤتمر أخذ بعض المندوبين الاسلاميين الشيعة الحديث ليدعوا الى حل للمواجهات في النجف.


وأعلن المندوب نديم الجباري قائلاً "نحن نطالب بوقف العمليات العسكرية في النجف, وندعو التيار الصدري للالتحاق بالمؤتمر." ورفع الآخرون أصواتهم بالموافقة.


وتحت ضغط من الاسلاميين, سمح منظمو المؤتمر ـ وهم بشكل رئيس من حلفاء رئيس وزراء الحكومة المؤقتة أياد علاوي ـ بصدور قرار يدعو الى ايقاف العنف.


وفي اليوم التالي, تبنى المؤتمر قراراً آخر, ولكنه في هذه المرة يحدد شروطاً يجب على مقتدى الصدر ان ينفذها.


وقد تقرر ان الرسالة يجب ان تسلم شخصياً بواسطة وفد من الشخصيات يرأسهم حسين الصدر. وعبر المشاركون في المؤتمر عن أملهم بان استعراضاً واسعاً سوف يغري رجل الدين الشاب في قبول تسوية.


مع ذلك, فان الأنباء أشارت في النهاية الى ان المتمردين يحضرون لكمين على الطريق مما اضطر الوفد الى السفر الى النجف في طائرات سمتية عسكرية أمريكية من نوع (الصقر الأسود).


وقال حسين الصدر عندما ارتاح الوفد بعد الهبوط في القاعدة العسكرية الأمريكية خارج النجف "انا لست مرتاحاً في الوقت الحاضر, سأكون كاذباً لو قلت اني أشعر بالراحة. سأكون مرتاحاً فقط اذا ما نجحت مهمتنا. انها زيارة هامة."


وبينما تناول الوفد العصير والكعك الذي قدمته البحرية الأمريكية, فان الضابط الاداري للكتيبة الرائد ديفيد هولوهان اعتذر عن الضيافة العسكرية.


وقام الرائد هولوهان باجراء اتصالات هاتفية متكررة ليؤمن مرافقة رجال الشرطة العراقية للوفد داخل المدينة في الوقت الذي كانت فيه الانفجارات تدوي في البعيد.


وقال هولوهان للوفد "نحن لا نهاجم, وانما ندافع عن أنفسنا, ولا يمكن لجنود البحرية ان يتعرضوا للهجوم دون ان يردوا. نحن نقتل كل شخص يتحرك بسلاحه في المدينة. وقد قتلنا (60) شخصاً خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية."


وبعد وصول المندوبين بساعتين تقريباً, تهيأوا للتوجه نحو مركز المدينة في ثلاث سيارات, تصحبهم ثلاث سيارات شرطة آخرى (لاندكروز) مع صوت المنبه ينطلق متواصلاً. وكان الحديث في السيارات يدور عن الصدريين.


وقال عميد الشرطة عامر حمزة الذي يحمل آثار جرح رصاصة على ساعده "انهم ليسوا بشراً. لقد ذبحوا أحد رجال الشرطة وقطعوه." وقال لواء شرطة ان الصدريين اعتقلوا والده البالغ من العمر (80) سنة.


ووصلت المجموعة بسرعة الى بناية محافظة النجف حيث وقف مئات من رجال الشرطة في حالة الانذار خلف الحواجز, وبنادقهم مصوبة نحو الشارع.


وجلب رجال الشرطة المرافقين اعلاماً بيضاء من داخل البناية, ثم انطلقوا مرة أخرى خلال الشوارع المهجورة.


وفي ساحة 1920 التي سميت بهذا الاسم تخليداَ لذكرى ثورة الشيعة ضد الاحتلال البريطاني, تعرضت القافلة الى اطلاق نار من أسلحة صغيرة. وتقدمت السيارات خلال الهجوم, ولكن عندما سمعت أصوات قتال عنيف يدور تحولت السيارات الى مدينة الكوفة على بعد (10) كيلو مترات تقريباً والتي تخضع الى سيطرة جيش المهدي. وكلما اقترب الموكب من الكوفة كلما عاد الوضع الى حالته الطبيعية, الشوارع مليئة بالسيارات والمارة, مع عدد قليل من المحلات المفتوحة, وثمة بعض الشباب يلعبون كرة القدم في احدى الساحات.


وتوقفت القافلة عند نقطة تفتيش لجيش المهدي. ثم وصلت بعد ذلك الى مكتب مقتدى الصدر في مرقد مسلم بن عقيل في المدينة.


وعندما خرج المندوبون من السيارات, تجمع حشد من الناس وهم يهتفون "لن نسامح الخونة." وأعلن المتظاهرون ان كلاً من أمريكا ومجلس الحكم العراقي الذي سبق حكومة علاوي الحالية, هم (كفرة).


وعبر البعض عن شكره للوفد لقدومه, مشيداً بهم "كمؤيدين للاسلام".


لكن أحد الرجال عبر عن شكوكه قائلاً "نأمل ان لا يكون الأمريكان هم الذين أرسلوكم."


وبعد الاجتماع مع ممثلي الصدر, انطلق الوفد مرة أخرى مبتعداً عن الكوفة باتجاه مرقد النجف, ولكن هذه المرة مع مرافقين من جيش المهدي في سيارة (بي أم دبليو) سوداء اللون. ولوح المارة بأيديهم راسمين علامة النصر بأصابعهم عندما كانت القافلة تمضي.


ومرت سيارات الوفد من خلال شريط من سيارات برادلي وهامر المدرعة الأمريكية وهي تسير في شوارع النجف المهجورة. وتوقفت في سوق الخضروات "خان الخردة" وسط الأكشاك المحروقة والبصل والبطاطا المبعثرة على الأرض, عندما بدأ الرجال المسلحون يظهرون من الشوارع الجانبية.


وعلى مسافة من هذا المكان, جلس بعض الأهالي أمام بيوتهم في مجموعات من ثلاثة او أربعة, ينظرون وكأنهم يتوقعون وصول القافلة. رفع بعضهم يديه الى السماء كما لو انه يطلب نجدة من الله.


وسأل رجل عجوز من خلال نافذة السيارة "هل انتم الوفد؟", وعندما أجابه السائق بالايجاب, قال الرجل العجوز "الله معكم, نحن متعبون. نسأل الله ان يوفقكم."


وفجأة اندلعت موجات من الرصاص الثقيل. وركضت مجموعة من المسلحين وهي تسرع حاملة أحد جرحاها.


وبعد دقائق، خرج الوفد من السيارات وبدأ بالسير على الأقدام في الشوارع الضيقة.


وظل المرافقون من جيش المهدي يوجهون بنادقهم نخو سطوح المنازل المجاورة وقال أحدهم "هناك العديد من الخونة هنا."


ووصل الوفد أمام الجدران العالية والبوابات الزرقاء للمرقد. وتدفق مئات من الرجال المسلحين الى الساحة وهم يهتفون "عاش عاش الصدر،مقتدى صاكرهم صكر". عندما دخل الوفد. واستمروا في الهتاف "علاوي ومجلس الحكم كفر. "للشهادة وياك سيد مقندى."


وفي احدى الغرف داخل الصحن الشريف، استقبل ممثلو الصدر الوفد، المستشار السياسي الشيخ علي سميسم، والناطق قيس الخزعلي والشيخ أحمد الشيباني والشيخ حازم الأعرجي.


وأخبرالشيخ علي سميسم الوفد انهم بحاجة الى انسحاب القوات الأمريكية قبل ان يكشف مقتدى الصدر عن نفسه. وقال "لنكن صريحين، ان مكان سماحة السيد سري، وأية خطأ سيعرض حياته للخطر."


ومع الجو متوتراً بوضوح، اصبح الاجتماع مغلق. وبعد نصف ساعة، ظهر حسين الصدر مع عمة مقتدى ضحى واثنين آخرين، وأعلنوا انهم ذاهبون للصلاة.


وتهامس المراقبون مع بعضهم مقدرين بانهم قد يكونوا ذاهبين للقاء مقتدى في مكان ما.


وعندما كان الحاضرون ينتظرون عودة مقتدى الصدر، فان اولئك الذين تجمعوا كان يمكنهم سماع صوت الهاون بوضوح وهو يطلق قذائفه من خلف الصحن. وقال احد الصدريين "انظروا، انهم يهاجمون المرقد." على الرغم من ان اطلاق النار قد تلاشى تقريباً بشكل مؤكد.


وتابع قوله "اود لو أمسك بأي مسؤول حكومي او علاوي فامزقه ارباً."


وعاد حسين الصدر مع مرافقيه بعد نصف ساعة دون ان يقولوا كلمة واحدة. وقفوا أمام باب الغرفة يتطلعون الى ساحة الصحن المرمرية ليقرؤوا اعلانهم.


وقال حسين الصدر "لقد حالت الظروف الأمنية دون لقائنا مع السيد مقتدى. لكن مافهمناه من أعضاء مكتب الصدر كان ايجابياً. وان السيد مقتدى لم يرفض هذه الرسالة العاجلة."


وبينما هو يتحدث، بدأ الحشد يتجمع لتشييع احد المقاتلين. وهتف الجمع قائلين للشهادة وباك سيد مقتدى... والحسين هناك يلكانة."


وقال حسين الصدر في ختام كلمته والحشد يقترب والأصوات تصبح أعلى "هذا ما حدث، وليس لدي أي شيء آخر أضيفه."


وعاد الوفد الى بغداد بالطريقة نفسها التي وصل فيها.


وأعلن وزير دفاع علاوي في اليوم التالي ان الهجوم الأخير على الصحن سيبدأ خلال ساعات فقط.


وبعد فترة قصيرة من ذلك، أعلن ان رسالة موقعة من مقتدى الصدر وصلت الى المؤتمر الوطني تتضمن موافقته على شروط المؤتمر.


ومع ان التقارير من النجف مرتبكة، فقد أعلن ممثلو الصدر انهم قد سلموا مفاتيح الصحن الحيدري الى المرجعية.


وبينما يزعم الشهود ان المؤيدين غير المسلحين ما يزالون يسيطرون على المجمع.


ويستمر مقاتلو جيش المهدي في مواجهة السيارات الأمريكية المدرعة، فيما تظل الانفجارات او رشقات الرصاص تسمع من حين لآخر.


*عمر أنور ـ بغداد والنجف


Iraqi Kurdistan, Iraq
Frontline Updates
Support local journalists