نهاية الطريق أمام السيارات القديمة

يرى سواق سيارات الأجرة القديمة المستهلكة عملهم يتلاشى أمام فيض السيارات المستوردة حديثاً.

نهاية الطريق أمام السيارات القديمة

يرى سواق سيارات الأجرة القديمة المستهلكة عملهم يتلاشى أمام فيض السيارات المستوردة حديثاً.

جلس جاسم جيات،41 عاما، الى جانب سيارته المتربة من نوع (تويوتا كورونا ـ فينتاج) السبعينية المركونة أمام داره.


كانت السيارة في السابق المصدر الوحيد لرزقه، تسمح له بالعمل كسائق أجرة غير رسمي (خصوصي). لكنها الآن لا تساوي شيئاً لأن احداً لا يرغب في الصعود الى مثل هذه السيارة القديمة.


وقال جاسم "لا أعرف ماذا أفعل؟ اني أرى الركاب على الطريق لكنهم لا يؤشرون لي، وعندما أتجاوزهم وأراهم في المرآة خلفي أرى انهم يوقفون سيارة جديدة. ان من حق الراكب ان يستأجر سيارة جديدة، لكن ماذا أفعل؟ أنا لا أستطيع شراء سيارة جديدة".


ولا يستطيع جاسم دفع كلفة التصليحات المستمرة التي تحتاجها سيارته، لذلك تركها مركونة خارج منزله وقال "بعت بعض أثاثي لدفع نفقات التصليح والتفت الآن الى الله راجياً الحصول على عمل آخر".


لقد ظل العراقيون الفقراء لسنوات عديدة يجمعون بمشقة ما يمكنهم توفيره للقيام بالاستثمار الوحيد الذي يسمح لهم بالعيش. ان هذا الاستثمار بالنسبة لأشخاص مثل جاسم، يعني السيارة، والتي مهما كانت قديمة او مستهلكة، يمكن ان تسمح لهم بالعمل كسائق أجرة بشكل غير رسمي.


وأدت نسبة الجرائم المرتفعة والنقص في الوقود الى جعل مهنة سائق الأجرة محفوفاً بالمخاطر ويستهلك الكثير من الوقت، لكن المشكلة الأصعب تأتي من انهيار نظام الجمارك الذي أدى الى تدفق سيل هائل من السيارات الجديدة الى داخل العراق، مدفوعة من الأموال الجديدة التي دخلت البلاد.


وهذا قد دمر عمل اولئك الذين لا يملكون إلا سيارات عتيقة ومتعبة.


وتحدث السواق عن اضطرارهم لبيع حلي زوجاتهم وأثاثهم، بل حتى بيوتهم لشراء سيارة لم تعد تكسب ما يكفي من المال لتسديد نفقاتها.


وقد باع عادل سليمان وهو أب لسبعة أولاد بيته لشراء سيارة (فوكس واجن) برازيلية الصنع موديل 1987.


وقال "خططت اذا وجد أحد أولادي عملاً، سأبيع السيارة وأشتري بها بيتاً بسيطاً في منطقة بعيدة من بغداد، لكن قيمة السيارة لا تتجاوز عشر سعر الدار".


وقال، نتيجة لذلك "فقد انهار مستقبلي ومستقبل عائلتي."


وبدأ بعض السواق يعملون في الساعات المتأخرة من الليل، بينما لا يجازف بذلك أصحاب السيارات الأغلى ثمنا بسبب مخاطر السياقة في الليل.


وقال قيصر لؤي،28 عاما، "بدأت العمل في الليل المرعب لبغداد لأنني لا أكسب شيئاً من العمل في النهار". ان سيارة قيصر المرسيدس موديل 1975 "لا تستحق ان يركب فيها أحد لأنها أصبحت عتيقة وقبيحة. وبالرغم من ذلك، فقد حاول اللصوص قتلي مرتين لسلبها، لكنني نجوت."


وقال قيصر ثمة مخاطر أخرى أيضاً في "ان القوات الأمريكية ورجال الشرطة العراقية يشتبهون بالسيارات ليلاً، وبدأوا يطلقون النار عليها. وقد تعرضت مرة لمثل هذه التجربة، لكنني نجوت".


في غضون ذلك، يقول السواق ان محلات المواد الاحتياطية لم تعد تخزن المواد القديمة، وأصبح المصلحون "مشغولين" فجأة عندما نراجعهم لتصليح المودلات القديمة.


وقال الميكانيكي خليل اسماعيل،33 عاما، "انا ارفض تصليح السيارات القديمة. ليس لأنني متكبر، لكن أصحاب السيارات الجديدة سيعتقدون ان محلي بلا خبرة في تصليح السيارات الجديدة عندما يشاهدون السيارات القديمة في محلي".


ووجد قليل من السواق أساليب أخرى لكسب الرزق من سياراتهم المستهلكة.


وقد استغل السائق صالح كاظم،35عاما، النفط الرخيص المدعوم من الدولة، وطوابير الانتظار الطويلة للحصول على الوقود، فحول سيارته الشوفرليت كابرس ـ موديل 1979 الى شاحنة يبيع فيها الوقود في السوق السوداء.


ويمنع الناس عادة في محطات تعبئة الوقود من ملء العبوات البلاستيكية لايقاف عملية اعادة بيع الوقود في السوق السوداء.


والتف صالح على هذا القرار وذلك بتثبيت خزان وقود كبير الحجم في سيارته، ليتمكن من ملئه ثم يتوقف على جانب الطريق يبيع الوقود لأصحاب السيارات المارة.


وعلى صعيد آخر يعتقد بعض السواق ان على الحكومة ان تجد لهم مخرجاً.


إلا ان هذا غير مرجح لأن يحدث في أي وقت قريب، بحسب ما ذكر اللواء جاسم جلاب، مدير دائرة المرور في العراق الذي قال "لقد رفعنا قضية تعويض أصحاب السيارات القديمة إلا انها ما تزال قيد الدرس، ولن يحدث شيء في المستقبل القريب".


وقال الراكب زياد حمزة،30 عاما، الذي يستخدم سيارات الأجرة بانتظام "هذه هي الحياة. انها فترة انتقالية ومع كل تغيير لابد ان يتعرض أحد للأذى. ويكمن في هذا التغيير تطور المجتمع والتخلص من السيارات القديمة التي تلوث البيئة. أنا في انتظار تحسن الوضع الأمني، ليتمكن كل واحد من التمتع باسلوب حياة جيد ويبدل سيارته القديمة بأخرى جديدة".


*حازم الشرع ـ بغداد


Iraqi Kurdistan, Iraq
Frontline Updates
Support local journalists