ظهور خلافات حول ارشيف يهود العراق

تأرجح مصير وثائق وقطع اثرية يهودية في خضم ادعاءات متنافسة بين حكومة بغداد وجماعات يهودية.

ظهور خلافات حول ارشيف يهود العراق

تأرجح مصير وثائق وقطع اثرية يهودية في خضم ادعاءات متنافسة بين حكومة بغداد وجماعات يهودية.

خالد الانصاري ونيل آرون- العراق (تقرير الازمة العراقية رقم.341، 16-حزيران-2010)

من المتوقع ان تواجه محاولات مسؤولين عراقيين استعادة مجموعة من القطع الاثرية النفيسة، كان الجيش الامريكي قد أستحوذ عليها ، بمطالبات قاسية ومعارضة متوقعة من قبل جماعات يهودية تريد ضمان وصول واطلاع مواطنيها لهذه المواد التاريخية.

ويحتوي الارشيف على حوالي 4000 وثيقة، ومن ضمنها لفائف دينية وسجلات قانونية تعود لعدة قرون، التي تركها سكان اليهود الذين كانوا يعيشون ذات يوم في حالة من الازدهار في العراق.

واكتشفت القوات الامريكية هذه الوثائق عام 2003 في سرداب مليء بالمياه في احدى البنايات في بغداد التي كانت يستخدمها جهاز المخابرات العراقية ابان فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقد كانت الوثائق في حالة سيئة للغاية وفريسة للتآكل والعفن، وتم نقل هذه القطع الى الولايات المتحدة للحفاظ عليها.

ولم يتبق في العراق اليوم إلا عدد قليل جدا من اليهود الذين كانوا يعتبرون ذات يوم واحدة من أكبر الأقليات في الشرق الاوسط. وقد غادر عشرات الآلاف البلاد في القرن الماضي عقب تعرضهم للاضطهاد على يد الحكومات القومية العربية بعد قيام دولة اسرائيل.

ويقول مسؤولون عراقيون بان الارشيف اليهودي هو جزء لا يتجزء من تراثهم الوطني، وطالبوا الحكومة الامريكية باسترجاعه. كما وعدوا بالاعتناء بالوثائق التي هي في حالة سيئة، وجعلها متاحة للباحثين واليهود من أصول عراقية.

ويقول وكيل وزير الثقافة العراقي، طاهر حمود " ان للارشيف قيمة رمزية ومعنوية" وأضاف "هو يعتبر من ممتلكات العراق. وسنعد حملة لاعادته حتى لو كان وثيقة واحدة تم نقلها الى امريكا".

وقال حمودي بان العراق قدم "طلباً رسميا واضحا" لاسترجاع الارشيف. "لقد اتخذنا الخطوة الاولى لاسترجاعه، وان اعادته امر مؤكد".

ويقول فيليب فراين، الناطق باسم السفارة الامريكية في بغداد، بان الولايات المتحدة ملزمة بحسب الاتفاقية باعادة الارشيف في حال تسلمها طلباً رسمياً من العراق.

لكنه اشار الى عدم تقديم طلب من هذا القبيل حتى الآن.  " لقد تلقينا طلباً شفهياً غير رسمي باعدة الوثائق لكننا لم نستلم اي طلب رسمي".

طلبات بجعل الوثائق في متناول الايدي

وفي غضون ذلك، قالت جماعات يهودية في الولايات المتحدة بان اي قرار بشان الارشيف يجب أولاً ان ياخذ في نظر الاعتبار مطالبة اليهود به. وبالرغم من عدم قولهم بشكل مباشر بانهم يعارضون اعادة الارشيف كاملاً الى العراق، إلا انهم شددوا على الحاجة الى مشورتهم عن كثب حول مصيره.

وأكد أيريك فيوز فيلد، مدير الشؤون القانونية في منظمة بيناي بيراث، وهي منظمة تطوعية معروفة تدعم القضية اليهودية حول العالم، بان القطع الاثرية في الارشيف هي ملك ليهود العراق.

"نعم هناك مطالب متنافسة ، لكن مطلب المجتمع اليهودي أقوى من مطلب الحكومة العراقية". واضاف موضحاً " لان هذه المواد كانت ملكاً ليهود العراق".

ويقول فيوزفيلد بان منظمته خاطبت وزيرة الخارجية الامريكية، هيلاري كلينتون، وحثتها على منع اعادة الارشيف اليهودي الى الحكومة العراقية إلا بعد الحصول على " حلول عادلة لاسئلة مهمة".

واضاف "لا نريد للارشيف ان يعود الى العراق بدون مناقشة يشارك فيها يهود عراقيون حول مالذي سيحدث لهذه المواد التاريخية".

ويقول مارك د. ستيرن، نائب المدير التنفيذي لمجلس اليهود الامريكيين ، وهي هيئة اميركية تعني بالدفاع عن حقوق اليهود، بانه يتفهم بان واشنطن " تشعر بالتزامها" باعادة الوثائق.

لكنه قال بانه من الضروري التأكد من ان الذي سيودع عنده الارشيف لابد ان يكون قادراً على الاعتناء به وجعله متاحاً للدراسة والبحث.

ويصر العراقيون على  انهم سيبذلون ما بوسعهم لجعل الوثائق متاحة لليهود. اذ يقول مدير المكتبة الوطنية ودار الوثائق العراقية، سعد أسكندر، بان كل الارشيف سيصور وينظم ويوضع على الشبكة الالكترونية.

وقال اسكندر " هدفنا هو ان لانحرم أبناء اليهود العراقيين منه. صحيح انه تراثهم وجزء من ذاكرتهم التاريخية، لكنه ايضا جزء من ارثنا وذاكرتنا التاريخية".  

ومع ذلك يجادل فيوزفيلد بان الوصول التطبيقي الى بعض الوثائق ربما لا يكون كافياً. فمثلا قد يرغب ابناء الطائفة اليهودية في استخدام لفائف التوراة وكتب الصلوات في مناسباتهم الدينية او في عرضها.

"هناك مواد ضمن الارشيف تتجاوز في اهميتها كونها وثائق تاريخية، ووضعها ببساطة على الشبكة الالكترونية بدون المناقشة حول اختيار افضل الاماكن لحفظها هو امر غير مقبول".

وقد يكون عدد قليل من أحفاد اليهود العراقيين مستعدين، او ربما يسمح لهم بزيارة العراق، بهدف الاطلاع على هذا الارشيف. فقد أصبحت اغلبيتهم مواطنين اسرائيليين ولا يمكن منحهم تاشيرات الدخول، لان العراق مثل أغلبية الدول العربية الاخرى لا يقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. بالاضافة الى ان العراق مازال غارقاً في دوامة العنف، ويؤمن الكثير من ميليشياته بافكار اسلامية متشددة معادية لليهود.  

ويرى فيوزفيلد بوجوب حفاظ مواد دينية محددة في دول اخرى غير العراق في حال اراد اليهود الوصول المادي الفعلي اليها وليس الوصول التطبيقي فقط.

"اذا كان من المناسب حفظ بعض هذه الوثائق خارج العراق، اذن يجب ان يكون هذا هو الحل". قال فيوزفيلد.

وكمثال على ذلك اقترح فيوزفيلد على بغداد ان تتطلع على تجربة الحكومة الليتوانية التي وزعت اللفائف الدينية التي عثرت عليها في اراضيها على أحفاد اليهود المنتشرين في ليتوانيا.

مناقشات حول الوثائق

ويعترف اسكندر بان الجماعات اليهودية قلقة حول المصير الذي سيؤل اليه الارشيف في حال اعادته الى العراق، غير انه يقول بان مخاوفهم ليست في محلها.

ويقول اسكندر " يعتقد اليهود العراقيون بان الحكومة الحالية ستتصرف مثل الحكومات العراقية السابقة وتعمل على تدمير ما تبقى من تراثهم." واضاف "نحن لسنا ضد اليهود".  

ويرى كل من اسكندر وحمود بان اعادة الارشيف سيساعد العراقيين على معرفة المزيد عن تاريخ اليهود في بلادهم.

ويقول اسكندر " من المهم لنا ان نواجه مآسي الماضي ونعترف بالجرائم التي ارتكبت بحق الاقليات".

ويقول فرايني الناطق باسم السفارة الامريكية في بغداد، بانه يعرف بان جماعات يهودية " مهتمة بكافة جوانب القضية المتعلقة بمصير الارشيف".

غير انه قال بانه لا يعرف باية جماعة يهودية تظهر اهتماما خاصا في الحصول على القطع الاثرية اليهودية، الشيء الذي قد يمنع اعادتها الى العراق.

واضاف بانه يأمل ان يلتقي اسكندر الجماعات اليهودية العراقية لبحث مصير الارشيف خلال زيارته للولايات المتحدة هذا الشهر.

وبالاضافة الى هذا الارشيف، تسعى الحكومة العراقية الى استرجاع آلاف الملفات التي كان جهاز الامن العراقي السابق يحتفظ بها، وهي موجودة في االولايات المتحدة منذ عام 2003.

ويقول فيوزفيلد بانه يأمل بان يساعد "الابداع وانفتاح العقل" في ايجاد حل للخلاف في المناقشات الدائرة حول الوثائق اليهودية.

"وربما تكون هناك نتيجة تمنح بعضا من الرضا والقناعة لكل الاطراف ذات العلاقة وبضمنها الحكومة العراقية". قال فيوزفيلد.

وقال مارة عراقيون في الحي اليهودي القديم ببغداد بانهم يتطلعون الى اعادة الاثار اليهودية الى  العراق.

ويقول علي الحسيني، صاحب مطعم يقع الى جانب كنيس يهودي " لم يلحق اليهود الاذى باي عراقي على عكس الايرانيين والقوات الامريكية. وقد عمل أجدادنا معهم". واضاف " لم نحسن معاملتهم. ولكن ممتلكاتهم لازالت موجودة، وحين يعود أرشيفهم سيعود معه الاستقرار ايضا".

ولا يرى ابو مهند الذي يعمل قصاباً ان استرجاع الارشيف سيخلق اية مشكلة. مضيفا بان الطائفة اليهودية لازالت تملك نفوذها في العراق. " هل يمكنك ان تخبرني لماذا لم ينهب كنيسهم مثل بقية الاماكن الاخرى التي نهبت في بغداد؟ وهذا يعني انهم موجودون هنا حتى وان لم نستطع رؤيتهم".

ويعتز كاظم الجبوري، صاحب ورشة تصليح المحركات، بذكريات طفولته ونشأته بين اليهود وهم يؤدون طقوسهم الدينية. اذ يقول "كانوا متآلفين مجتمعياً جداً. كانوا مواطنين عراقيين طبيعيين".

وفي حين اصر الجبوري على انه سيكون مسروراً باعادة الارشيف، إلا انه تساءل عن مدى فائدته. "لم يعد لليهود وجود في العراق فما الجدوى من استرجاع ارشيفهم الى البلاد؟"

خالد الانصاري، صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلم في بغداد.  نيل آرون محرر تقارير الازمة العراقية في بغداد.

Iraq
Frontline Updates
Support local journalists