ايامي الاثنا عشر في الحجز

القي القبض على مراسل معهد صحافة الحرب و السلام (IWPR) عن طريق الخطا من قبل القوات الامريكية والعراقية، وهو هنا يروي محنته تلك.

ايامي الاثنا عشر في الحجز

القي القبض على مراسل معهد صحافة الحرب و السلام (IWPR) عن طريق الخطا من قبل القوات الامريكية والعراقية، وهو هنا يروي محنته تلك.

27 يناير، ايقظتنا أنا واخي طرقات قوية على بابه الأمامي. وعندما فتح اخي الباب، وجدنا ان القوات العراقية قد طوقت المنطقة قائمين بعملية إعتقالات عشوائية بحثا عن بعض الاشخاص المطلوبين.



اعطيت هويتي الى واحد من الجنود الذي سلمها بدوره الى احد الضباط الذي كان في البيت المجاور.



"من هو جاسم محمد خلف" صاح الضابط.



"انا"، اجبت



"اين تسكن؟"



"في حي النداء"



"لماذا انت هنا في الحي العسكري؟"



اخبرته انني ارسلت زوجتي الى الحلة(المدينة الجنوبية) لقضاء العيد مع ابويها. وقد اصر اخي لقضاء العطلة سوية في بيته في الحي العسكري في الحويجة.



استمر الضابط في استجوابي.



"ما ذا تعمل؟"



"انا مراسل لمعهد صحافة الحرب والسلام".



اعطيته باج المعهد. تأمله قليلا، ثم سألني ان كنت مستعدا للذهاب معهم للاستجواب. وعند سؤالي عن السبب، اخبرني ان اسمي على قائمة المطلوبين.



لم اصدق ذلك. اعدت السؤال ثانية. اكد الضابط ذلك وطلب مني ارتداء ملابسي.



اخذني الجنود في سيارة بيك اب الى احدى بضعة همرات امريكية التي كانت واقفة على بعد 300 م. ربطو يدي خلف ظهري بكابل بلاستيكي وطلب من احد عناصر الحرس الوطني العراقي مراقبتي لحين الانتهاء من غارتهم على المنطقة.



كان الجو باردا مع القليل من زخات المطر. جلبت الجنود العراقيون رجلا اخر اجلسوه بجانبي. مرت ساعات قبل ان ينقلونا الى القاعدة الامريكية التي تبعد ثلاث كيلومترات عن الحويجة، حيث تم تسليمنا رسميا الى القوات الامريكية.



وضعت القوات الامريكية اكياسا مصنوعة من القنب على رؤوسنا وكانو يجروننا ويدفعوننا اثناء المشي. واخبرونا ان الكلام ممنوع.



تركونا صامتين في الظلام لمدة ساعتين، دون ان ندري ماذا سيحصل بعد ذلك. وحين جاء احد الحراس اخيرا، كنا مجهدين نفسيا وجسديا. سحب الحارس ايدينا ووضع فيها الكلابشات الحديدية. كنا مقيدي الايدي حتى عند الذهاب الى المرافق الصحية.



وبعد ان رفعوا الكيس عن رأسي، نظرت حول المكان. كانت الغرفة بمساحة 4 في 2 م وسقفها وجدرانها من الخشب. كان هناك سجينان اخران معي.



اقترب منا جندي طويل اسود بملامح عربية يرافقه جندي امريكي.



سالنا الجندي الامريكي اسئلة قام بترجمتها زميله. سالنا ان كنا نعاني من الامراض او من الحساسية من بعض الادوية.



بعدها، اعطونا أكياس وعلب صغيرة فيها بعض الطعام المصنوع في امريكا والمكتوب عليه كلمة" حلال" . الا اننا لم نستطع فتحها بسهولة بسبب القيود.



طلبوني بعد ذلك للاستجواب. رحب بي الضابط الامريكي الذي طلب مني الاجابة بصراحة و بوضوح لان ذلك سيعجل في اطلاق سراحي. اخبرته ان ذلك ما امل به وانني مستعد للاجابة عن اي سؤال. دون بعض المعلومات عني وعن عائلتي واقربائي وبعض العاملين في المعهد ليتاكد من صدق كلامي.



بعد ساعتين من الاستجواب، وعدني بانه سوف يبذل جهده لتصحيح الخطأ في احتجازي إذا ما عرفوا بأني أعتقلت عن طريق الخطأ. اراحني ذلك بعض الشيء، حيث لاحظت ان الضابط متعاطف معي قليلا. الا انني فقدت ذلك التفائل بعد ان مر يومان دون ان يتغير شيء.



في الصباح الباكر من يوم 29 يناير، رفس احد الحراس العدوانيين باب زنزانتنا وصاح " انهضوا". رمى لنا بالفطور وطلب منا تنظيف المكان وجمع الاوساخ في كيس بلاستيكي كبير.



دخل حارس اخر يحمل حزمة من الاكياس. ادركنا انهم ينوون نقلنا الى مكان اخر، الى كركوك او ربما الى موقع اخر. كان يجب علينا وضع الاكياس على رؤوسنا ثانية، وتم سحبنا خارجا. مشينا في طابور يتقدمنا جندي واخر يسير خلفنا. مشينا لفترة دون ان ندري الى اين نحن ذاهبون، بينما كان الحراس يضحكون ويدفعوننا بينما كنا نتدافع في الطين.



وأخيرا اعادونا الى الغرفة. وبدا انهم سيحتفظون بنا هناك لفترة من الزمن. لذلك اخبرت احد الحراس برغبتي للحديث مع الضابط مرة ثانية لامر هام. بعدالظهر، اخذوني لمقابلة الضابط، الا انه لم يكن نفس الضابط الذي استجوبني من قبل.



وسالني " ماذا تريد؟"



اعدت سرد نفس القصة القديمة التي اخبرتهم بها سابقا: كوني اعمل مراسلا لمنظمة دولية غير حكومية وبان القبض علي هو خطأ. اتصل بمحررة تقارير الازمة العراقية تياري راث التي اكدت كوني احد مراسلي المعهد.



شعرت بتحسن كبير. لكن ابو غريب ظل يحوم فوق رأسي كون ان اسمي الكامل كان ضمن قائمة المطلوبين. ذهبت الى النوم داعيا الله اطلاق سراحي وسراح كل السجناء الابرياء.



في الصباح التالي، طلبوا منا ان نضع الاكياس على رؤسنا ثانية. واخذونا في سيارة مغلقة لا نوافذ فيها الى قاعدة جوية ، وبعد ساعات ، طاروا بنا من هناك الى كركوك.



وعند الوصول، اخذونا الى قاعة ضيقة لاجراء بعض الفحوصات الطبية علينا. بعد ذلك ارتدينا البدلات البرتقالية الخاصة بالسجناء. وتم التقاط صور لنا.



تم فصلنا عن بعضنا بعد ذلك. وتم حجزي في زنزانة انفرادية ذات 2 في 1 م. وكذلك كان حال الآخرين.



كان في زنزانتي مصباح اضاءة لكن لم توجد فيها اضاءة طبيعية. كان فيها سرير حديدي وفراش، بطانيتان، نسخة من القران الكريم وسجادة صلاة.



تم حجزي انفراديا لمدة اربعة ايام. عانيت خلالها أرهاقا كبيرا بسبب الوحدة والاذلال: لم يكن مسموح لنا الحديث مع السجناء الاخرين حتى عند الذهاب الى المرافق. وكان ذلك هو الوقت الوحيد الذي يسمح لنا بترك زنزاناتنا خلاله.



كان المكان غير صالح للسكن الادمي والصمت كاد ان يصيبنا بالجنون. كان الامريكان وبشكل مستمر يصرخون في وجوهنا و يشتموننا. كان يهددوننا ب€سحب الاغطية منا او بحرماننا من الذهاب الى المرافق. وكمثال على ذلك، كان احد الحراس فظا جدا مع المعتقلين حيث منعنا من التحدث مع بعضنا واجبرنا على ان تكون وجوهنا في مواجهة الجدار.



كنا نستحم بشكل جماعي حيث سرعان ما ينفد الماء الحار ويتحول الماء الى بارد جدا.



في اليوم الاول لوصولي الى كركوك، تم استجوابي لساعتين. كان المحقق الامريكي هادئا لكن المترجم كان فظا، وكانني قاتل كل عائلته.



كانت معظم الاسئلة تدور حول عملي وعلاقاتي. قال المحقق ان جزء من عملي كصحفي هو ان العب دورا في الكشف عن المعلومات الخاصة بالجماعات المسلحة. فاجبته ان ذلك من اختصاص الاستخبارات وليس من واجبي.



في الثاني من شباط، تم اخراج حوالي 20 منا من زنزانتنا المنفردة ووضعونا في زنزانة كبيرة حيث بقينا هناك خمسة ايام. كان ذلك راحة كبيرة لنا حيث و بعد قرابة اسبوع من الصمت، سمحوا لنا اخيرا بالكلام حيث لم يعودوا يضعون الكلبشات في ايدينا.



كنت أريد ان اصرخ و أصيح في الوقت الذي سمحوا لنا بالكلام لأنه كان ممنوعا علينا، وكنت ارغب بكسر الصمت المفروض علي. تعرف السجناء على بعضهم وخاضو في اسباب وكيفية اعتقالهم . بعد ذلك جرى الحديث عن الشؤون العائلية.



جاء احد الحراس، الذي كان لطيفا معنا و يحاول إسعادنا طوال فترة الاحتجاز، في تمام الساعة الثالثة من عصر يوم السادس من شباط. كان لكل منا رمزا، وبدأ بقراءة ارقام المسجونين الذين سمح لهم بجمع حاجياتهم استعدادا لتسليمهم ، ولكن الى من؟ لا ندري.



انتهيت الى مجموعة من الرجال الذين تم القاء القبض عليهم معي في الحويجة. كنا سعداء اننا سنترك مركز الاعتقال في كركوك، وفي الوقت نفسه كنا نخشى ارسالنا الى ابو غريب.



سلمنا بدلات السجن ومشينا الى قاعة ضيقة. وبعد ساعة، ارجعوا لنا ملابسنا. وعند السابعة مساءا اخذونا الى مطار كركوك ومن هناك طرنا الى القاعدة الامريكية العسكرية في الحويجة ثانية.



وفي تلك الليلة، رحب بي الكابتن الامريكي في الحويجة بحرارة واعتذر عن الخطأ الذي اقترفوه ضدي. كان اعتقالي هو لمجرد تشابه في الاسم والهوية.



ٍسألني الكابتن عن كيفية تعويضي عن هذا الخطأ. اجبته ان خير مايفعلونه لي هو عدم تكرار ذلك ثانية. ووعدني بذلك، وكتب ملاحظة في الملف الخاص بي بانني لست الشخص المطلوب على القائمة.



ذهبنا الى النوم، يراودنا الامل بان تشرق الشمس قبل وقتها هذا اليوم. عند الساعة الرابعة صباحا، ايقظنا الحارس. كان لطيفا جدا وسمح لنا بالكلام. وتم اطلاق سراحنا عند الساعة العاشرة والنصف صباحا.



جاسم محمد خلف، الذي يكتب تحت اسم لقبه العشائري جاسم السبعاوي، صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام في محافظة كركوك
Frontline Updates
Support local journalists