انهيار واضح للحلول التي تتبناها هيئة الأمم المتحدة في قضية دارفور

قامت كل من الصين وروسيا وهما عضوان لهما وزنهما في مجلس الأمن التابع لهيئة المتحدة، بإلغاء البيان الذي ينص على إجبار السلطات السودانية على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

انهيار واضح للحلول التي تتبناها هيئة الأمم المتحدة في قضية دارفور

قامت كل من الصين وروسيا وهما عضوان لهما وزنهما في مجلس الأمن التابع لهيئة المتحدة، بإلغاء البيان الذي ينص على إجبار السلطات السودانية على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

Friday, 18 January, 2008
.



إذ رفض هذان البلدان وهما من الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة الموافقة على البيان الرئاسي الذي حث حكومة السودان على التعاون تعاوناً كاملاً مع المحكمة الجنائية الدولية وتقديم أية مساعدة ضرورية لها.



ويدعو الآن العاملون في مجال حقوق الإنسان والمسؤولون وممثلو المحكمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف أشد صرامة.



وقد أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في آذار من عام 2005 قضية أزمة دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار، 1593، لأنه اعتبر أن الوضع في السودان يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين. وقد حث القرار جميع الدول على التعاون التام مع المحكمة.



وأصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية في نيسان من عام 2007 أوامر بالقبض على الوزيرأحمد هارون وقائد ميليشيا الجنجويد علي كشيب. ولكن حكومة السودان رفضت قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم المرتكبة في دارفور مؤكدة أن النظام القضائي السوداني قادر على محاكمة المشتبه بهم.



هذا وبالإضافة إلى رفض حكومة الخرطوم التعاون مع المحكمة وكتعبير منها عن التحدي منحت هارون منصب وزير الشؤون الإنسانية كما جعلته مسؤولاً عن التنسيق مع القوات الهجينة الجديدة لحفظ السلام التابعة لهيئة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقيUNAMID .



وقد تمت صياغة البيان الذي يدعو إلى مزيد من التعاون من جانب حكومة السودان بعد أن أبلغ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في كانون الأول، عن موجة ثانية من الفظائع التي ارتكبت بحق مليونين ونصف دارفوري ممن سبق وأجبروا على النزوح من منازلهم ويعيشون حالياً في المخيمات.



لقد تحدث المدعي العام لويس مورينو اوكامبو في تقريره عن" الحملة المنظمة والمنهجية التي يشنها المسؤولون السودانيون لمهاجمة الأفراد وتدمير النسيج الاجتماعي للمجتمعات كلها." فضلاً عن عدد متزايد من الهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني وقوات حفظ السلام.



كما ذكر أمثلة عن الهجوم المشترك الذي شنته الحكومة مع حلفائها من ميليشيا الجنجويد على مدينة المهاجرية في الثامن من تشرين الأول عام 2007، حيث جمعوا ثمانية وأربعين من المدنيين الذين كانوا يقيمون الصلاة في المسجد ثم ذبحوهم دون رحمة، كما قام سلاح الجو السوداني بقصف الدلة في شهرآب من العام نفسه الأمر الذي أدى إلى تشريد عشرين ألف شخص آخرين.





وقد طلب السيد مورينو أوكامبو من مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة إرسال رسالة إلى حكومة السودان، على أن تكون رسالة شديدة اللهجة وفيها إجماع الدول الأعضاء، لمطالبتها بالامتثال لقرارات المحكمة وتنفيذ القبض على كل من هارون وكشيب.



قال السيد مورينو أوكامبو:"سيكون مربكاً وغير دقيق أن تظن حكومة السودان أن من الممكن لها بأي حال من الأحوال عدم تنفيذ أوامر القبض وعدم الالتزام بالقرار، 1593."



وقد وصف في الوقت ذاته رئيس مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة السفير الإيطالي مارسيلو سباتافورا ما جاء في تقرير السيد مورينو اوكامبو بأنه "مقلق للغاية" وذلك عقب الاجتماع مع المدعي العام، وقال: لا بد من صياغة بيان مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة.



"لايمكننا أن نظل صامتين وأن نقف مكتوفي الأيدي، علينا توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى السلطات السودانية ولذلك نقترح على الأعضاء ونطلب من البلدان تعميم مشروع القرار، إذ هو حالياً قيد الدراسة".



وقد اقترحت كل من سلوفاكيا وايطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا نص بيان، ذكرت فيه مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق كشيب وهارون ، وحثت الخرطوم على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق "بهذين الشخصين".



ولكن في السابع من أيلول وبعد يومين من المباحثات بين الدول الأعضاء الخمسة عشرة في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، تم التخلي عن إصدار البيان بشكل مفاجئ.



وأعلن السيد سباتافورا للصحافيين أنه لا حاجة لإصدار هذا البيان لأن أعضاء مجلس الأمن أعلنوا بالفعل "بصوت عال وواضح" أن على حكومة السودان أن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.



وذكرت مصادر في الأمم المتحدة لمعهد الحرب والسلم للصحافة أن الصين وروسيا تظنان أن هذا البيان الرئاسي لا يعبر عن جهود إنسانية وسياسية لحفظ السلام.



وأكد سفير المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة جون سويرس أن الصين هي المسؤولة عن إجهاض بيان كانون الأول وقال إنه :"على ثقة من أنه لولا موقف الصين الحازم من البيان لتم اعتماده".



هذا ولم يفاجأ مراقبو المحكمة الجنائية الدولية من أمثال ديفيد دونات كاتين من البرلمانيينن من أجل العمل العالمي بذلك، فهم يشعرون بأن هذا البيان بال ولن يسفر عن أي تغيير حقيقي في أزمة دارفور.



وقد قال السيد كاتين:"قد كان ذلك ليشكل تحركاً سياسياً لطيفاً ، ولكنه لن يضيف شيئاً إلى القرار 1593 الملزم قانوناً."



إلا أن ممثلي الجماعات المتمردة في السودان أصيبوا بخيبة الأمل جراء تراجع مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة عن إصدار البيان.



وأكد السيد أحمد ديريج، رئيس الاتحاد الديمقراطى السوداني المعارض والرئيس السابق لجبهة الخلاص الوطني، أنه لكي تحافظ منظمات كهيئة الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية على مصداقيتها واحترامها لدى الدارفوريين لابد أن تثبت أنها تؤدي واجباتها.



وعبرعن ذلك بقوله:"تصميم المجتمع الدولي على تحقيق العدالة للناس في السودان مهزلة. لقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية قرارات واتهامات بحق أفرادً ،ولكن دون أن يملكا الوسيلة لإنفاذ القرارات والحكومة تتحداهما وترفض تسليم المتهمين."



"كما تمت ترقية أحد المتهمين ومنحه منصب وزير الشؤون الإنسانية بينما هو متهم بانتهاك حقوق الإنسان. وهذا أمر بالغ الضرر على سمعة هذه المؤسسات. إذ سيسخر الناس ويقولون إنها غير موجودة فعلياً وإنها عبارة عن أسماء فقط."

كما ذكر لمعهد الحرب والسلم للصحافة أن على المجتمع الدولي اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد السلطات السودانية.



قائلاً:"لقد فقد الناس في دارفور الثقة فالمظالم ما زالت مستمرة، بينما يقف المجتمع الدولى والمؤسسات الدولية ورؤساء الدول مكتوفي الأيدي ولا يحركون ساكناً."



وأعلن وزير العدل في حركه العدل والمساواة المتمردة السيد بشارة سليمان أن تسليم كشيب وهارون إلى لاهاي يعتمد اعتماداً كلياً على الضغط الذي يمارسه مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة على الحكومة، داعياً إلى فرض المزيد من العقوبات.



قال:"إن على مجلس الأمن أن يفرض عقوبات نفطية، فهي الشيء الوحيد الذي من شأنه وقف الإبادة الجماعية في دارفور، ولكن الصين وهي [عضو دائم في المجلس] لن تسمح بذلك أبداً."



"إن الصين تملك حق النقض ـ الفيتوـ في مجلس الأمن ولها أيضاً مصالح نفطية في السودان، ولذلك لابد للمتمردين من السيطرة على مدن مثل الجنينة والفاشر ونيالا لأن أي عقوبات أخرى لن تكون قادرة على إقناع حكومة السودان بالامتثال للمحكمة الجنائية الدولية."



إن الصين تشتري معظم النفط في السودان، ويتهمها المتمردون بتمويل حملة الخرطوم في دارفور بشكل غير مباشرعن طريق استثمار الأموال في صناعة النفط في البلد، وبالتالي توجيه الأموال إلى الحكومة.



قال السيد بشارة لمعهد الحرب والسلم للصحافة إنه يجب تحويل أولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب إلى المحكمة الجنائية الدولية"وسنحارب حتى يتحقق ذلك، إن لمن الواضح جداً بالنسبة لنا أنا بحاجة لعقوبات شاملة".



إلا أن السيد سويرز لا يثق بالحل الذي اقترحه الزملاء الأعضاء في مجلس الأمن بفرض عقوبات أشد فأشد تدريجياً ضد السودان.



إذ قال: " إذا مارسنا الضغط من أجل فرض مزيد من العقوبات قد نجد عدداً من البلدان الأخرى كروسيا وليبيا وجنوب إفريقيا وفيتنام وليس فقط الصين، حذرة إزاء ممارسة هذه الضغوط ."



هذا ويشير المراقبون إلى عدم فعالية العقوبات الحالية التي فرضها مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة على السودان.



وأكد السيد كاتين أن قرار حظر السفر المعمول به حالياً ضد هارون قرار قصير النظر لأن "التجربة علمتنا بأن أفضل وسيلة لالقاء القبض على هؤلاء الناس هي تمكينهم من السفر واعتقالهم خارج السودان".



وأشار السيد ستيف غروشو من منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان إلى أن لوم مجلس الأمن على رد فعله الغير حازم حيال الأزمة في دارفور لا يمكن أن يقع على عاتق تدخل الصين وروسيا فقط.



وقال: إن اللوم يقع على مجلس الأمن، فقد كان هناك نقص في الإرادة والتصميم على مساعدة المحكمة الجنائية الدولية وأضاف أن المجلس أرسل "إشارات مربكة" إلى السودان.



في منتصف عام 2007 وبينما كانت الأمم المتحدة تتفاوض مع السلطات السودانية لإرسال القوات الهجينة لحفظ السلام إلى دارفور، رفض مجلس الأمن أن يعترف بأن حكومة السودان لا تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، خوفاً من فشل الاتفاق.



وقال غروشو إن الأمم المتحدة أشادت بالخرطوم لتعاونها في محادثات نشر قوات حفظ السلام، وتجنب الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بان كى مون إثارة قضية العدالة في رحلته إلى السودان.



كما أضاف غروشو"لا يمكن الإشادة بالخرطوم وعدم الإشارة إلى أن هارون كان المسؤول عن التنسيق في UNAMID هذا أمر مخجل ووصمة عار في تاريخ الأمم المتحدة. إن على كل حكومة أن تواجه ذلك."

وقد قال سفير بلجيكا لدى الأمم المتحدة السيد يوهان فربيكه لمعهد الحرب والسلم للصحافة : "شددت وأشدد مجدداً على أهمية مكافحة الإفلات من العقاب في السودان ولا سيما فيما يتعلق بقضية هارون ونجحت في جعل عدد متزايد من أعضاء مجلس الأمن أكثر حساسية تجاه هذه القضية."



"لن تقبل بلجيكا بتحدي السودان المطلق وتملصه من تنفيذ التزاماته."



هذه هي كلمات ترحيب أعضاء النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية بعد ما وصف بأنه "شهور من الصمت من جانب المجتمع الدولى".



وقال المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية لمعهد الحرب والسلم للصحافة إن "الأمر الآن متروك لأعضاء مجلس الامن لهيئة الأمم المتحدة بأن يرتقوا إلى مستوى مسؤولياتهام وأن يضمنوا احترام حكومة السودان لالتزاماتها بموجب القرار 1593، والتعاون مع المحكمه الجناءيه الدولية لا سيما من خلال اعتقال وتسليم هارون وكشيب".



وقد رفض الوفدان الصيني والروسي إلى الأمم المتحدة طلب معهد الحرب والسلم للصحافة إجراء مقابلة معهما.



كاتي غلاسبورو، مراسلة العدالة الدولية، لاهاي.

Frontline Updates
Support local journalists