القتل غسلا للعار يثير مخاوف تفجر صراع عراقي جديد

بقيت الاقلية اليزيدية بعيدة عن المعارك الداخلية العراقية، لكن العنف مع جيرانهم المسلمين ازداد بعد مقتل الفتاة اليزيدية التي يبدو انها اعتنقت الاسلام.

القتل غسلا للعار يثير مخاوف تفجر صراع عراقي جديد

بقيت الاقلية اليزيدية بعيدة عن المعارك الداخلية العراقية، لكن العنف مع جيرانهم المسلمين ازداد بعد مقتل الفتاة اليزيدية التي يبدو انها اعتنقت الاسلام.

Wednesday, 23 May, 2007
.



تجاوزت بعشيقة - التي يشكل اليزيديون 70% من سكانها، وهم طائفة قديمة ليسوا اسلاما وليسوا مسيحيين- الصراع الطائفي والعرقي بين العرب والاكراد، وبين الاصوليين السنة والشيعة والذي اكتنف المناطق المجاورة. يتكبد اهالي الموصل مشقة السياقة 25كم للوصول الى بعشيقة حيث يقيمون السفرات للاستمتاع بهدوء المدينة الصغيرة التي تضم المعابد اليزيدية، المساجد الاسلامية، والكنائس المسيحية التي تقف متجاورة الى بعضها بما يعكس صورة نادرة للتعايش والتسامح.



وكانت نهاية ذلك التعايش في ذلك اليوم في السابع من نيسان حيث رجم جمهور غاضب من الرعاع فتاة في السابعة عشر من عمرها بالحجارة حد الموت وسط تصفيق المتجمهرين الذين كانوا يصورون عملية القتل رجما بواسطة تلفوناتهم المحمولة.





جريمتها؟ دعاء خليل اسود، فتاة يزيدية هربت من بيتها كونها كانت في علاقة حب مع شاب مسلم. لم تكن تلك اول قصة حب من هذا النوع، ولم تكن اول عملية قتل بسبب الشرف في منطقة تخضع فيها النساء الى قيود اجتماعية صارمة وتواجه عقوبة شديدة اذا خرجت عن طوق تقاليد العائلة والعشيرة والدين.



لم يعد بالامكان التسترعلى امور مثل هذه بتلك السهولة في ايامنا هذه وذلك بسبب الضغط من ناشطي انصارالمرأة المحليين- لكنهم مع ذلك غالبا ما يتمكنون من احداث ضجة.



تبدو قضية دعاء مختلفة. ترك مقتلها تأثيرا واسعا – وصراعا داخليا غير مسيطر عليه ومنفلت في منطقة كانت تنعم بالامان قبلا، نتج عنه مقتل 20 انسان وتهديد بالمزيد من العنف.



اضافة الى المخاوف من الصراع القائم بين اليزيديين والمسلمين، فأن القضية اماطت اللثام عن غياب دور القانون، والقبول بفكرة ان النقاشات والخلافات العائلية يمكن تناولها من قبل الاقارب وليس من الاغراب ممن يمثلون القضاء حتى وان كانت تلك القرارات تتعلق بالقتل. قال احد شهود العيان ان عناصر قوات الامن كانت متواجدة ولم تتدخل حين كانت دعاء ترجم بالحجارة حد الموت.



القيود التقليدية تقود الى الموت



بدأت القصة حين وقعت دعاء، الطالبة في المرحلة الثانية في معهد الفنون الجميلة في بعشيقة ، في حب جارها مهند الذي كان يملك محلا قريبا لبيع مواد التجميل. اعتاد مهند انتظار دعاء بعد انتهاء دوامها في الكلية، وكان اهلها على علم بتلك العلاقة.



اليزيدية هم جماعة من العرق الكردي يمارسون دينا مختلفا قوامه عناصر من الايمان القديم والزرادشتية، وكذلك بعضا من الاسلام والمسيحية. وبسبب عدم قبول البعض لهم كونهم "عبدة الشيطان"، تمسك اليزيديون بافكارهم وذلك بالانغلاق على انفسهم دون اثارة العداوات مع المجتمعات الاخرى.



احد قواعد اليزيدية الصارمة هو عدم السماح بالزواج من خارج الطائفة. ولتجنب هذا، كانت دعاء تطلب من مهند مرارا الفرار معها، لكنه كان يرفض قائلا ان التقاليد الاسلامية توصي بمباركة الزواج من قبل العائلتين.



واخيرا، قررت دعاء اعتناق الاسلام لتتمكن من الزواج بمهند. أخبرت والديها بذلك، لم يعترضوا عليها رغم انهم لم يكونوا سعداء بذلك. بدى انهم اعتبروا قرارها مسألة عائلية لا علاقة لبقية الطائفة فيها.



حين علمت عشيرتها بتحولها عن دينها، احتمت الفتاة بأحد رجال الدين من اليزيدية، وهو اجراء معروف عندهم لمن يخاف من الانتقام. بقيت في بيت رجل الدين، وقد توسل اهلها االيه ان لا يسلمها الى اي احد، وذلك بحسب ما افاد به البقال في المدينة مصطفى مسلم .



بتاريخ 7نيسان، جاء عمها الى رجل الدين واخبره ان العائلة قد سامحت الفتاة وطلب منه عودتها معه الى البيت.



قال مسلم "اعتقدت الفتاة انهم قد سامحوها فعلا، بينما كانت في طريقها الى الموت. كانت ترتدي تنورة سوداء وسترة حمراء وكان شعرها على شكل ذيل حصان".



بعد ياردات قليلة ، احاط بها 13 من اولاد عمها مع جمع غفير من اليزيدية.



قال مسلم الذي شهد الحادثة "بدأوا بضربها وركلها وامسكوها من شعرها وطرحوها ارضا. كانت تصرخ طالبة النجدة. حاول والدها الاقتراب منه لكن الجمع منعه من ذلك".



في مقابلة مع التلفزيون المحلي، قال الوالد انه ارسل اخيه لجلبها الى البيت، لكنه لم يكن يعلم ان الجمع كان بانتظار ان يقتلها.



استمرت عملية الاعدام الوحشية ساعتين، تم تصوير معظمها بواسطة التلفونات المحمولة. اظهرت اللقطات التي وزعت اولا بين سكان الموصل وبعدها على الانترنت الفتاة ملقاة على الارض محاطة بالجمع الغاضب. شباب يضربها ويركلها، في البدء رجموها بحجر صغير ثم بعد ذلك فتشوا عن حجر كبير وصخور اسمنتية كبيرة ليرجموها بها.



كانت الفتاة وهي تنزف بغزارة تحاول حماية وجهها بيد وباليد الاخرى تحاول ستر ساقيها العاريتين بعد ان تم تمزيق ملابسها. بعد برهة من الزمن، توقفت عن الحراك، وبقيت هامدة، بينما استمر الجمع المبتهج برميها بالحجر.



بعد ذلك، اخذ قاتلوها جثتها الى خارج المدينة وحرقوها ودفنوها مع جثة كلب ميت تعبيرا عن امتهانهم لها كونها انسانة قذرة وغير ذات قيمة.



اثبت الكشف ان سبب وفاة دعاء كانت كسور في الجمجمة والعمود الفقري.



وبحسب مدير شرطة الموصل، فأن معظم القتلة هم اقرباء دعاء، وبالاخص اولاد عمها واصدقائهم.



معظم الذين التقاهم مراسلوا معهد صحافة الحرب والسلام عبروا عن مساندتهم لعملية الرجم ، والقليل منهم قال انها خطأ.



قال احد شهود العيان سمير جمعة، معلم، ان الشرطة وبعض عناصر البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، كانت واقفة وتراقب عملية القتل دون اي محاولة منها للتدخل.



يبحث الحزب الديمقراطي الكردستاني عن وسيلة للسيطرة على بعشيقة. رغم انها تقع خارج حدود اقليم كردستان في شمال العراق، فان الموصل هي من المناطق التي يمكن ضمها الى الاقليم في الاستفتاء الذي سينظم لاحقا نهاية العام.



تقول الشرطة في الموصل انه تم القاء القبض على اربعة اشخاص لهم علاقة بعملية القتل وان هناك اثنان اخران يتم البحث عنهما. كل المشتبه بهم هم من اقارب دعاء.



اما مهند فقد غادر المدينة.



غضب المسلمين يقود الى الانتقام



طبيعة المجتمع اليزيدي الانعزالية مكنت مجموعتهم الصغيرة للبقاء محايدة امام التوترات المتنامية بين الشيعة والسنة.



لكن العادات، وخاصة بالنسبة لهذه القضية التي تحرم الزواج بين الاديان بالنسبة لليزيدية والاسلام قد خلق جوا صار فيه العنف ضد المتجاوزين على تلك العادات امرا مقبولا. ان حالة اغتيال دعاء، قد مهد السبيل للمسلمين هناك للانتقام ، مما قاد الى تنامي الصراع الطائفي.





لم تكن قضية دعاء هي اولى قضايا التحول عن الدين والزواج التي قادت الى العنف. قبل شهور قليلة من موت دعاء، كانت هناك عائلة قتلت ابنتها لانها اعتنقت الاسلام. صوبوا طلقة الى رأسها، ولم تلق القضية اي اهتمام يذكر.



وقبل شهرين من مقتل دعاء،هرب رجل يزيدي من شيخان وهي قرية قرب بعشيقة مع فتاة مسلمة. ثم وجدت تلك الفتاة بعد ذلك مقطوعة الرأس، وقيل ان من قام بذلك هم مسلمون من قريتها، وتم ايضا حرق الكثير من البيوت والمعابد اليزيدية.



قد توضح هذه الحوادث الاسباب التي جعلت من مقتل دعاء قضية تصاعدت الامور فيها حد اراقة الدماء بين المسلمين واليزيدية.



في 22 نيسان، اوقف مسلحون باصا يقل عمالا من معمل النسيج في الموصل. تم اخلاء الركاب المسلمين بسلام. وكذلك الامر مع المسيحيين الذين اصبحوا الان هدفا للجماعات السنية المتطرفة. اخذ المهاجمون ال32 عاملا من اليزيدية الى حي النور في الموصل وقاموا باعدامهم هناك.



تم قتل احد الخبازين وثلاثة من عماله في الموصل بتاريخ 26 نيسان، وبعدها بثلاث ايام، تم اغتيال اثنين من الشرطة اليزيدية.



وصف المسلمون الغاضبون دعاء بكونها " الاخت الشهيدة" وهم يتوعدون بالانتقام لها.



وفي نفس الوقت، تم ضرب وطرد اليزيدية من وظائفهم وكلياتهم والاقسام الداخلية ليس فقط في الموصل، بل في دهوك واربيل والسليمانية- وهي المدن الثلاثة الرئيسية في الاقليم الكردي.



ففي اربيل، اكد صاحب فندق مركاسور ان مايقرب من 50 شابا هاجموا الفندق وحاولوا ضرب العمال اليزيدية الذين يسكنون الفندق. لكنه اغلق الابواب واتصل بالشرطة.



نشرت شبكة اعلام الاتحاد الوطني الكردستاني في موقعها على الانترنت ان الكثير من العمال اليزيدية قد تركوا وظائفهم وعادوا الى قراهم خوفا من الانتقام. وفي اربيل، غادر الطلبة اليزيدية من اهالي الموصل الى بيوتهم بعد ان جرح بعضهم في هجوم على القسم الداخلي الذي يقيمون فيه.



تم اعلام معهد صحافة الحرب والسلام ان بعض سكنة بعشيقة من المسلمين قد تم تهديدهم واخبارهم بترك المدينة.



ايمان ام تقليد؟



احدى القضايا المثيرة للجدل التي يبدو ان لها علاقة بسيطة بالحادث لكنها قد تشخص ديناميكية الصراع اليزيدي المسلم هي الجدال حول رجم دعاء وهل انه كان بسبب تحولها الى الاسلام ام لانها فقدت عذريتها قبل الزواج.



قالت مصادر قريبة من عائلة الفتاة انها لم تتحول الى الاسلام، لكنها كانت ترغب الفرار مع مهند، وهذا ما اثار اولاد عمها لمعاقبتها.



كشف الفحص الجنائي في المستشفى انها كانت عذراء.



تم اخبار معهد صحافة الحرب والسلام في بعشيقة ان السبب وراء عدم تدخل الشرطة اثناء عملية القتل او اتخاذ اي اجراء مباشرة بعد ذلك هو اعتقادهم بأن دعاء مذنبة "بسلوك مخل بالشرف"، وبعبارة اخرى، فأنها كسرت المحرمات التي ارساها العرف الاجتماعي، وليس لانها غيرت دينها.



وعندما علمت الشرطة ان دعاء قتلت لانها تخلت عن ديانتها اليزيدية، عندها فقط قاموا باصدار مذكرات اعتقال.



علق كبير رجال الدين اليزيدية تحسين سعيد علي بان مقتل دعاء هو "جريمة شنيعة".



حاول التقليل من اهمية ان يكون الزواج بين شخصين من دين مختلف هو الذي يقف وراء العملية، مفترضا ان دعاء قد قتلت بسبب "العادات االقديمة" موضحا ان الدافع وراء ذلك هو سببا اجتماعيا وليس دينيا.



نظريات المؤامرة السياسية



في المفهوم السياسي المعقد في مدينة الموصل وما يجاورها من مناطق في نينوى، فان هناك تأويلا بأن مقتل دعاء هو من تخطيط احد الاحزاب السياسية العراقية. بعض تأويلات نظريات المؤامرة جاء من احد الاحزاب المعارضة التي تريد الاستفادة من هذه الحادثة. انتشرت هذه النظريات رغم ان جميع المشتبه بهم هم من اقرباء الفتاة المقتولة، وليس من خارج العائلة.



الموصل هي العاصمة الادارية لمحافظة نينوى، لكن الكثير من الاكراد يطمحون لضمها الى المناطق التابعة الى اقليم الحكم الكردي. وفقا للمادة 140 من الدستور العراقي لعام 2005، فان هناك انتخابا سيجري نهاية 2007 لتقرير ما اذا كانت المناطق موضوع الجدال بتنوع السكان فيها – وخاصة الموصل وكركوك- ستنضم الى اقليم كردستان.



اذا كان الانتخاب السريع بين العرب والاكراد في كركوك قد تم بواسطة التركمان، فان بامكان اليزيدية حول الموصل ان يلعبوا نفس الدور. تعيش الاغلبية من اليزيدية قريبا من تلك المناطق وهم منقسمون حول مسألة الانضمام تلك.



بعض سكنة بعشيقة الذين التقاهم معهد صحافة الحرب والسلام كانوا مقتنعين ان الحادثة هي من صنع بعض المؤيدين لفكرة الانضمام وذلك لدفع اليزيدية للوقوف مع المسلمين الاكراد لتقرير مستقبل المنطقة.



قال عاصم خليل، يزيدي، موظف، " تمت فبركة الحادثة لاجبار الناس للوقوف الى جانب كردستان"، مضيفا انه يعتقد ان السياسيين الاكراد رغبوا في زيادة الخوف من الاصوليين الاسلاميين بين افراد تلك المجموعة.



علق احد السياسيين الاكراد وهو غياث سورجي من الاتحاد الوطني الكردستاني بان " البعثيين والمسلحين متورطون بعملية القتل تلك".



تم خلق مساحة كبيرة لترويج نظرية المؤامرة من خلال المنشورات التي وزعت والتي يقال انها من قبل "دولة العراق الاسلامية" والتي تعلن توفيرها الحماية لكل يزيدي يرغب باعتناق الاسلام.



سلام غير سهل



تم ارسال قوات مشتركة من الجيش والشرطة لتطويق بعشيقة ومنع الهجمات الانتقامية المتبادلة بين الطرفين.



نظمت جماعات حقوق المرأة وبقية المنظمات غير الحكومية الاخرى تظاهرة خارج مبنى البرلمان الكردي للاحتجاج على مقتل دعاء والمطالبة باجراء تغييرات على القانون المدني والحد من تأثير الشخصيات الدينية والعشائرية



في منطقة كانت لحد الماضي القريب معروفة بالتعايش السلمي ،لم يكن بالامكان اسماع صوت الاصوات الاخرى المنادية بالاعتدال وبالاتهام المضاد .



كان ايدو بشار، يزيدي، موظف، غاضبا من تلك الجريمة التي نفذت ظاهريا بأسم طائفته.



وقال "مثل تلك الاخطاء لا يمكن قبولها. ليس هناك نصا دينيا يزيديا يقر مثل تلك العقوبة. العالم في المجتمع الحديث سوف ينظر الى اليزيدية كعنصريين وغير متسامحين يفتقدون الى الذكاء والعقل. البربرية هي التي تسيطر على الدين".



تم تجميع هذه المقالة من عدد من مقالات كتبها مراسلوا معهد صحافة الحرب والسلام في العراق
Iraq
Frontline Updates
Support local journalists