الصراع من اجل كركوك

بقلم: اوليفر بول

الصراع من اجل كركوك

بقلم: اوليفر بول

Monday, 3 March, 2008
. تفيد بعض التقارير ان قوة من 10.000 جندي تساندها المروحيات والطائرات المقاتلة تدفقت عبر الحدود.



العمل التركي ضد قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق صور على انه خطوة قامت بها انقرة في حربها ضد الارهاب، لكن مع ذلك تبقى كونها ان دولة ارسلت قواتها لتدخل اراضي دولة اخرى دون تفويض من الامم المتحدة.



كان يجب ان يثير مثل هذا العمل الغضب والدعوات من اجل عقد اجتماع طاريء لمجلس الامن. لكن كل الذي صدر ضد هذه الحالة هو بعض الاحتجاجات.



اعلنت الحكومة في بغداد عن "استنكارها" لعبور الجيش التركي لحدودها، لكن الرأي العام العالمي بقي صامتا ولم يثر توغل الجيش التركي داخل جبال العراق الشمالية التي يغطيها الثلج اي ردة فعل عالمية.



اعلن الاتحاد الاوربي بيانا ضعيفا دعا فيه الى ضبط النفس، وقالت الولايات المتحدة- التي كانت حليفا قويا للاكراد في السنوات الاخيرة- ان انقرة لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يستخدمون العراق كنقطة انطلاق في هجماتهم على جنوب شرق تركيا.



ما يثير الدهشة هو موقف الاكراد انفسهم. كان يمكن دفع القوات التركية بعيدا الى الحدود الايرانية لكن مقاتلي البيشمركه الاشداء الذين قاوموا صدام حسين بقوا بعيدا ليفسحوا المجال للقوات التركية المدججة بالسلاح بالعبور.



بالنسبة للذين يحققون ولاول مرة منذ عقود بعض المستوى من حكمهم بانفسهم واعلنوها واضحة للتاريخ عدائهم للسيطرة الاجنبية ، وخاصة السيطرة التركية، فقد كان عملا مميزا من السيطرة على النفس.



من اسباب عدم تنسيق وتطابق المواقف العالمية بالنسبة للاكراد، الذين ظل ينظر اليهم لفترة طويلة على انهم بحاجة الى مساعدة بسبب سوء المعاملة التي يلقونها، هو القلق المستمر لبقاء العراق كبلد موحد.



عكست ردة فعل الاكراد بشكل جزئي عقلانية حكومتهم المؤقتة في اربيل وقبولهم بالوقائع لحقيقة السياسة الدولية. تحضى اعمال حزب العمال الكردستاني على موافقة ضمنية – تصرفت تركيا بعد حصولها على وعود من الاكراد الذين لم يتخذوا سوى خطوات قليلة للحد من عمليات حزب العمال الكردستاني – على ان ردة الفعل الكردية توضح انهم لم يتخذوا الموقف المطلوب على الاقل في هذه المرة.



على انه من المهم النظر جنوبا لفهم سبب الصمت العالمي والكردي، بعيدا عن حدود العراق مع تركيا الى حدود جديدة ومهمة تفصل الان بين اكراد العراق والمناطق العربية.



انها حدود لا تظهر على اي خارطة لكن لا يمكن لاحد ان يخطئها وهو يعبر من مركز العراق الى المحافظات الشمالية الثلاثة التي يسيطر عليها الاكراد منذ الاطاحة بصدام حسين في عام 2003.



على الجانب الكردي، تحل البشمركه محل وحدات الجيش والشرطة العراقية في زيهم الاخضر والخاكي المموه. انهم لا يرفعون العلم العراقي بل يرفعون العلم الكردي فوق البنايات الحكومية.



عند زيارتي الاخيرة الى اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، طلب من العرب العراقيين الانضمام مع الزوار الاجانب لتدقيق جوازات سفرهم وطلب منهم ايضا مراجعة دائرة الاقامة خلال 48 ساعة. انهم في زيارة الى المناطق التي يفترض ان تكون لا تزال جزءا من بلدهم.



لم يكن هذا الانطباع المتنامي للاستقلال هو مجرد عملا تجميلي لدى المسؤولين الاكراد لغضب الحكومة المركزية في بغداد من اقامة اتفاقيات مع شركات نفطية وتوقيع عقود مع 30 مستثمرا دوليا والعمل على اقرار دستور كردي جديد لو تم اقراره فانه سيتعارض مع دستور الدولة الذي تمت الموافقة عليه في 2005 بعد شهور من النقاشات السياسية المضنية.



مثل تلك الحركات تعزز القلق والشك من ان الاقليم يتحرك تدريجيا نحو الاستقلال التام الذي اظهرالاستفتاء ان 90% من الاكراد يؤيدونه.



يوضح هذا جزئيا لماذا اصبحت الحدود العربية الكردية تشكل تهديدا كبيرا للاستقرار النسبي الذي حققته القوات الامريكية السنة الماضية. تزداد التوترات على حدود مدينة كركوك التي تشكل اهمية للاكراد بشكل اكبر من العمليات العسكرية التركية داخل اراضيهم.



منذ سقوط نظام البعث، ظلت كركوك دائما احدى المناطق المتفجرة في العراق.تقع كركوك 250 كم شمال بغداد قرب نهر كاسا،وتضم الاكرادوالعرب والتركمان وينظر لها جميع الاطراف على انها قضية مهمة في الجدال الدائر حول تجزئة العراق وتقسيمه بين الاكراد والعرب السنة والعرب الشيعة.



الهبت سياسات البعث الازمة الحالية. فقد حاول صدام تعريب المدينة التي اهلها من الاكراد والتركمان وذلك بطرد الاكراد واحلال عرب الجنوب بدلهم بالقوة.



كان يريد السيطرة على حقول النفط الموجودة حول المدينة التي يقدر الاحتياطي فيها بين 11-15 مليار برميل. وتعتبر الثروة الرئيسية لبغداد، والبقرة الحلوب لاي دولة كردية مستقلة في شمال العراق. ليس التاريخ ولا تعدد القوميات هو سببب المشاكل في كركوك ، بل هو المردود المادي الذي يصل الى مليارات الدولارات.



خلال سنوات الاضطراب التي اعقبت سقوط نظام صدام وحين صار العراق ساحة لعمليات المسلحين السنة وبعد ذلك للحرب الطائفية التي اندلعت بعد تفجير القبة الذهبية في سامراء في شباط 2006، حيث تم تعليق النظر في قضية تحديد مستقبل كركوك.



بموجب الدستور في 2005 ، فقد تم الاتفاق على تأجيل اي قرار حول مستقبل كركوك لحين اجراء استفتاء في المدينة والذي اتفق على ان يكون في كانون الاول 2007 حيث تم تأجيله ايضا في لحظة اعتماده.



تعلم حكومة بغداد ان ذلك سوف يجعلها تخسر المدينة لان الاكراد مصممون على عدم تفويت الفرصة لاستعادة المدينة التي يرون انها مدينتهم معتمدين على كثافتهم العددية فيها.



تفيد الاخبار ان البيشمركه تجبر العرب في كركوك على ترك منازلهم واعطائها الى الاكراد العائدين. هناك اكثر من 2000 كردي من الشمال ارسلوا للسكن في ملعب المدينة الرياضي حيث بنيت لهم بيوتا مؤقتة وذلك من اجل ان يشاركوا في الاستفتاء.



ولهذا لم يحصل الاستفتاء في وقته في العام الماضي. ادعت بغداد وجود مشاكل ادارية متحملة مخاطر ردة الغضب الكردي والغت الاستفتاء حيث اعلن عن تأجيله ستة اشهر اخرى وذلك من اجل انجاز التطبيع الذي اقره الدستور واعادة نسب السكان الى ما كانت عليه قبل برنامج التطهير الصدامي.



لم يتعامل الاكراد مع التاجيل بشكل سهل.مدركين انهم سيضيعون فرصة استعادة المدينة وضمها اليهم، اظهرت الشهور الاخيرة صلابة موقفهم وتهديدهم بأستعمال العنف في حال تاجيل الاستفتاء مرة اخرى وهو ما اثار حفيظة المتشددين العرب الذين يصرون على عدم تنازلهم عن السيطرة على كركوك.



في كانون الاول، اتحدت عدة اطراف سياسية فيما بينها ومن ضمنها من كانت تحمل العداء لبعضها مثل رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر ورئيس الوزراء السابق اياد علاوي واصدروا بيانا وصفوا فيه المطالب الكردية حول كركوك بانها "كبيرة وغير عقلانية".



في شباط، غادر 90 برلمانيا من التحالف الكردي قاعة الاجتماع اثناء مناقشة القانون الجديد الذي يخول الحكومة الفدرالية فقط حق عزل المحافظ وليس الهيأة التشريعية للمحافظة.



اذا لم يجري الاستفتاء حول كركوك، فان الحكومة المحلية والهيأة التشريعية التي غالبيتها من الاكراد ستدعو الى اجراء الاستفتاء. يجيز القانون الجديد تدخل الحكومة المركزية وعزل المحافظ، وهذا ما يفسر سبب تصميم الاكراد على عدم الموافقة عليه.



وباستقراء الظروف والاوضاع، حذرت المجموعة الدولية للازمة وهي منظمة غير ربحية مهمتها منع حدوث الصراع والعمل على حله من ان "ليس هناك حكومة عراقية تعطي كركوك الى الاكراد وتأمل بالعيش دون مقاومة شعبية واسعة من قبل عرب العراق".



ان الوضع في كركوك سيفجر المأزق ويقود الى العنف والصراع في الوقت الذي تأمل فيه ادارة بوش من ان خطتها الامنية في بغداد قد تجمع الفرقاء السياسيين.



ما يثير القلق هو تقارير القادة العسكريين الامريكان من تفجر العنف في المدينة الذي يقف وراءه مقاتلي القاعدة والمتطرفين السنة الذين اتجهوا شمالا لتفادي زيادة عدد القوات في وسط العراق. ولكسب التأييد فقد ادعوا انهم "المدافعون عن مصالح السنة ضد التوسع الكردي" وهو ما سيؤدي الى احداث حريق هائل محتمل.



وبالمقارنة مع قضية لها مثل هذه الاهمية في تحديد ليس فقط مستقبل كردستان العراق ولكن مستقبل مكونات العراق، فان مايثير الاستغراب هو ان الاكراد والمجتمع الدولي لم يعيروا اهتماما للغزو التركي للعراق.



قررت القيادة الكردية تجنب اي شيء يثير اعدائهم واعطاء فرصة للتطرف الكردي وخلق سببا اخر لتاجيل الاستفتاء، انهم يعملون ما بوسعهم لتجنب اي مواجهة عسكرية مع الاتراك. ان ضبط النفس تجاه الغزو التركي هو امر مقصود، كما علمت، لعرض امكانيتهم في السيطرة على كركوك دون اثارة خطوة من مجازفة كبيرة في طلب الاستقلال.



عينت الامم المتحدة –وهي تعرف ايضا هشاشة الوضع في كركوك،- ممثلا لها في العراق هو السيد ستيفان دي مستورا في اول مهمة له في العراق منذ تفجير مقرها في بغداد قبل 4 سنوات.



تم تزويده بمعلومات محددة حول الية التعامل مع قضية مستقبل كركوك.قال دي مستورا حول الوضع في كركوك وهو يعد بمساعدة فنية في ايجاد حل توافقي "القضية ملحة ومهمة لان الوقت فيها يعمل كقنبلة موقوتة".



هناك دلالات قليلة على امكانية ايجاده لحل مقبول. افضل حل لمشكلة كركوك هو في ايجاداقليم فدرالي مستقل خاص بالمدينة –منفصل عن حكومة اقليم كردستان- يتمتع باستقلال واسع عن الحكومة المركزية مثلما هي حال المحافظات الكردية. بهذا فقط يستطيع كل مكون او مجموعة عرقية ان تحمي مصالحها بدون خسران ماء الوجه من اي منهم.



عندما عرض هذا المقترح على البرلمان العراقي من خلال ممثل التركمان باوزي اكران، لقي معارضة من قبل المتعصبين العرب والاكراد.



وبدلا من مناقشة ايجاد حل وسط، لجأ الجانبان الى التكتيك المعروف في الخطب العدائية لجعل احد الاطراف يدرك مغالطته ويتبنى موقف خصومه .



في تبريرها لغزوها للعراق، قالت انقرة ان ذلك كان ضروريا لانهاء ان تكون كردستان قاعدة ثابتة وامنة للارهابيين من حزب العمال الكردستاني وان ذلك سيساهم في استقرار العراق وامنه الداخلي.



ان لم يصار الى ايجاد حل لكركوك- وكما قال دي مستورا بان الوقت يمثل قنبلة موقوتة، فان الراديكالية الكردية وزيادة العنف ستعرض كركوك التي كانت يوما من اكثر المناطق استقرارا الى ان تكون موطنا لمجاميع الميليشيات المحلية. ان اي صراع سوف لن يقتصر على كركوك بل سيمتد الى المدن المتوترة الاخرى وبالخصوص الى الموصل.



اذا كان ماحدث الاسبوع الماضي من هجوم تركي هو مجرد مؤشر على ما سيأتي لان الدول المجاورة تخشى على اقلياتها الكردية ، وتبحث عن تحديد تاثير توسع كردستان العراق في مايخص التوازن العرقي والطائفي ضمن مناطقهم الحدودية. ذلك ما قد يقود الى عمل عسكري اخر.



انسحبت القوات التركية في نهاية الاسبوع الماضي. ان لم يصار الى حل توافقي سريع بخصوص كركوك، فان مشهد رؤية مئات الجنود الغرباء يقاتلون في جبال شمال العراق سيكون من الامور المحتملة الحدوث.



اوليفر بول: كان مراسلا لصحيفة الديلي تلغراف في العراق.ستقوم مؤسسة ريبورتاج للطباعة بطبع كتابه الموسوم "الخط الاحمر: خمسة سنوات قاسية في بغداد".



الاراء التي وردت في هذا المقال لا تمثل بالضرورة اراء معهد صحافة الحرب والسلام
Frontline Updates
Support local journalists