الدفع نحو التغيير

صحفي عراقي ينشأ حزبا سياسيا لتحسين وتطوير حياة المواطنين.

الدفع نحو التغيير

صحفي عراقي ينشأ حزبا سياسيا لتحسين وتطوير حياة المواطنين.

. تغربت لمدة ثمان سنوات بعيدا عن الاهل ودون ان يكون لي بيت. بعد سقوط صدام، قررت الاحتفال بزواجي بين اهلي واصدقائي.



اعتقدت ان التغيير قد يعني بداية حياة جديدة ونهاية للتهجير. عدت وسكنت في مدينتي "الحويجة" التي تبعد 70كم غرب كركوك، وقبل اندلاع الطائفية وتمزيقها للعراق ،تمكنت من زيارة اصدقائي في البصرة، الكوت، ديالى، وكربلاء. كنا قبل ذلك نخشى من قطاع الطرق الذين يسرقون المال والسيارات. كانت الطرق خالية من نقاط السيطرة لان الجيش والشرطة لم يكونا قد استحدثا بعد.



فكرت اولا -عند زيارتي بغداد في شباط 2004- باحداث تغيير وذلك عندما التقيت عددا من الذين يعملون في احد الاحزاب السياسية. ضجرت من طريقة التفكير التي يتعامل بها ابناء مدينتي في الحويجة، احدى القلاع السنية، من ان صدام سيعود ثانية للسلطة. حاولت اقناعهم بضرورة عدم العيش في الماضي بل النظر الى المستقبل- عهد صدام قد انتهى.



رغم ان سفرتي الى بغداد اوحت لي بانشاء حزب سياسي في الحويجة، الا انني كنت قلقا بشأن الوضع الامني السيء مما دعاني الى ترك الفكرة. وقررت بدلا عن ذلك ان اقوم بتغيير افكار اصدقائي المقربين وافراد عائلتي.



ليست الحويجة مكان للعقلية المتفتحة، ومن الصعوبة ان تعمل على التغيير فيها. لم تستطع زوجتي وهي شيعية مثقفة من ايران ان تتأقلم مع مجتمع الحويجة السني المغلق ومع نقص الخدمات العامة. قضت معظم حياتها في مشهد وليس هناك مايربطها بهذه الارض سواي. طلبت مني الانتقال للسكن في بغداد او الحلة او اي مكان اخر لكنني رفضت. الحويجة ، رغم كل نواقصها، هي مدينتي التي يعيش فيها اهلي واصدقائي وذكرياتي.



لكن التطرف والطائفية كانا في تصاعد. فالجثث مقطوعة الرأس كانت تلقى في الشوارع، وشعارات الجهاد تملأ الجدران. لا احد يجرؤ على ذكر اسم "الزرقاوي" علنا لان مجرد الهمس بأسم زعيم القاعدة في العراق يعني الموت الاكيد.



في نفس الوقت، كنت اتابع عملي في الصحافة. كنت ارغب ان اصبح صحفيا لاني كنت الاحظ الدور المؤثر الذي تلعبه االصحافة في الوصول الى الناس ايام نظام البعث. ومثلما كان صدام يستخدم الاعلام لتثبيت اركان دكتاتوريته، فاننا يمكن استخدام الاعلام اتثقيف وتوعية الناس.



كان سكان منطقتي يعتقدون جازمين بعودة صدام الى السلطة. وكمجتمع جزيرة متعصب، لم تكن الحويجة لتقبل بالافكار الجديدة بسهولة. عند لقائي بالشباب والاقارب والاصدقاء، حاولت تغيير ارائهم وقناعاتهم. اخبرتهم ان هناك عالم خارج الحويجة حيث الفرص كثيرة وان عليهم المشاركة بالعملية السياسية بدلا من مقاطعتها.



في عام 2006، باءت محاولتي و صديقي المعلم لاصدار جريدة. كان هدفنا تغيير العقول في الحويجة، لكننا لم نجد من يساند او يمول المشروع.



وفي غضون ذلك، استلمت رسالة تهديد بالموت مباشرة بعد ارسالي مقالا الى معهد صحافة الحرب والسلام من احدى مقاهي الانترنت. كنت اتناول غدائي عندما استلمت التهديد على تلفوني المحمول. فحوى الرسالة اننا شيعة ولنا علاقات مع منظمات اجنبية لذا وجب علينا القتل.



نظرت الى زوجتي التي كانت تجلس بالقرب مني، وسرح خيالي الى تصور رؤسنا ملقاة في الشارع واجسادنا مرمية في نهر دجلة. فقدت شهيتي للاكل لاني ادركت انني سوف اهجر مرة اخرى. طلبت من زوجتي حزم حقائبها. لم اخبرها عن السبب خوفا عليها من الانهيار.



انتهى بنا الامر الى كركوك حيث عملت في احدى الصحف الكردية. كان صديقي المعلم يحاول تأليب الناس ضد القاعدة من خلال لقائه بالشيوخ والحديث مع المواطنين الاخرين من ذوي التأثير والناس العاديين وذلك في خريف 2006.



قام بتشجيع الناس للكلام ضد القاعدة واقترح اقامة "مجالس الصحوات" في منطقتنا. هذه المجالس، التي تسمى الان مجالس الصحوة، تكونت من السنة من اهل تلك المناطق لحمايتها من الميليشيات الاجنبية.



استطاع استمالة شيوخ العشائر والقادة المحليين ورفع فكرة المجلس الى وزارة الداخلية. في حينها، كان هناك مجلس صحوة واحد في محافظة الانبار. قيل لنا ان المقترح ارسل الى بغداد لكننا لم نسمع اي جواب بذلك الخصوص.



كنت اعرف مقدار الخطر واعرف انني في مواجهة القاعدة، لكني كنت احس مسؤليتي تجاه الناس. كان على اي واحد ان يبادر الى التغيير، وكنت احس ان بامكاني ابداء المساعدة والمشاركة في ذلك. لكني كنت شديد الحذر خوفا من استهدافي.



بتاريخ 12-7-2007، وبينما كنت خارجا من البيت، لاحظت سيارة اوبل زرقاء تقترب مني، لم تكن تحمل لوحة ارقام وبداخلها خمسة اشخاص مسلحين. تجمدت في مكاني وعرفت انها النهاية. وبينما كانوا يمرون بالقرب مني، بدأو الرمي باتجاهي.



رميت نفسي على الرصيف فاقدا الوعي بينما فرت السيارة بعيدا. سحبني احد اصحاب المحلات داخل محله معتقدا انني ميت. حين استعدت الوعي، حمدت الله اني لازلت حيا ولم اصب بأذى، لكنني ادركت ان علي الانتقال مرة اخرى.



كانت زوجتي قد ذهبت الى الحلة قبل اسابيع قليلة للعيش مع اهلها، وانا عدت الى الحويجة. كنت متخفيا هناك حين رأى طفلنا الاول النور في التاسع والعشرين من تموز، توافق مولده مع فوز الفريق العراقي ببطولة كأس امم اسيا، حيث المناسبتين اضفيا الطمانينة على روحي.



قبل ان نرزق بطفلنا، كنت افكر بالرحيل عن العراق. كنت تعبان وغاضب لانني هجرت وانتقلت من مكان الى اخر. كان جوازي لازال نافذا وكنت افكر في خيار المكان الذي اذهب اليه في الخارج. لكنني قررت ان ابني لايمكن ان يعيش في المنفى او المهجر كما كان حالي، وعليه قررت ان اكون جزءا من التغيير الايجابي في العراق.



في بداية 2008، قررنا صديقي وانا ان ننشأ حزبا سياسيا في الحويجة، حزب الشعب العراقي، الذي لا يعتمد المعايير الطائفية. اتخذنا قرارنا اخيرا بعيدا عن سخط الاحزاب العراقية التي تعتمد على المحاصصة الطائفية والعرقية، ولان الاحزاب السنية في منطقتنا لا تمثلنا.



نأمل المشاركة في انتخابات المجالس البلدية في اوكتوبر 2008. حصلنا على دعم شيوخ العشائر والطلبة الذين قرروا الحصول على حقوقهم من خلال الانتخابات. حصلنا على الدعم من خلال الحديث مع الناس في مناطق مثل الموصل، كركوك، صلاح الدين، الحلة، والناصرية ، ونحن نعمل الان على اصدار مسودة مشروع انشاء الحزب.



نعرف ان الديمقراطية ليست امرا سهلا- خاصة مع وجود المتطرفين الذين يعتقدون ان الذين يعملون وفق هذا النظام هم ملحدون يجب قتلهم. قررنا الخوض في هذا الطريق رغم معرفتنا بالتحديات الكثيرة ومن ضمنها "بناء روح المسؤلية" داخل المواطنين العراقيين.



نأمل الان ان نتمكن من اقناع المواطنين بأننا نمثلهم ونريد تغيير حياتهم للافضل. لا يساورني الشك في ان مشاكل العراق مرحلية وان غدا سيكون يوما جديدا.



جاسم سبعاوي: صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام في الحويجة.
Frontline Updates
Support local journalists