البغداديون يتكيفون مع أعمال العنف المتفرقة

يرى سكان العاصمة أن العنف سيستمر لبعض الوقت، الا انه لن يوقفهم عن ممارسة حياتهم اليومية.

البغداديون يتكيفون مع أعمال العنف المتفرقة

يرى سكان العاصمة أن العنف سيستمر لبعض الوقت، الا انه لن يوقفهم عن ممارسة حياتهم اليومية.

.



فسلسلة الانفجارات التي غالبا ما تستهدف المجتمعات ذات الاغلبية الشيعية، كان اخرها انفجار في 21 ايار، حصد ارواح 12 شخصا في منطقة الدورة، سبقه بيوم، انفجار في منطقة الشعلة راح ضحيته 34 شخصا.



ومع ذلك، فان قليلون هم الذين يؤمنون بان العاصمة تنحدر الى منزلق الحرب الطائفية التي كانت قد عصفت بالبلاد قبل سنتين او ثلاث سنوات، في وقت يتقبل الكثيرون حقيقة ان العنف الذي شلّ الحياة لفترة من الزمن سيستمر في العاصمة لعدة سنوات مقبلة.



فشهر نيسان بدا أكثر الأشهر دموية في العراق منذ ما يقارب العام، وهو بذلك وضع نهاية لفترة من الهدوء النسبي الذي عزّز الآمال بحصول تحسن مستمر في مستقبل الامن في البلاد.



إستهل البغدادييون شهر نيسان بإلقاء نظرة الى الوراء تمتد إلى ستة سنوات من الآن وتحديداً منذ دخول القوات الاميركية الى المدينة في التاسع من نيسان من العام 2003.



كان عبد الخالق الشمري الذي يقطن منطقة الغدير شرق العاصمة بغداد، يراقب حفيده البالغ من العمر أربع سنوات وهو يعبث بدمية على شكل سلاح.



يعلق الشمري هذا المشهد بالقول "لم يكن هذا الطفل مولوداً بعد إبان الغزو، ولكنه نشأ خلال سنوات الصراع الطائفي، فكل ألعابه المفضلة هي عبارة عن أسلحة".



الشمري، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، أستأنف حديثه "أشعر بالألم لمجرد التفكير بالماضي والقلق الذي يلف المستقبل". مضيفا "ما يزال الوقت مبكراً للشعور بالإطمئنان ازاء ما ينتظرنا في المستقبل".



وطبقا للاتفاقية الاطارية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية التي ابرمت العام الماضي، فأن معظم القطاعات العسكرية الاجنبية ستغادر البلاد بحلول منتصف 2010.



لكن الشكوك تبقى حول مقدرة القوى الأمنية المحلية على تولي مهامها خلفا للقوات الاجنبية في مواجهة العنف، وهو ما يختلف العراقيون بشأنه، بين ضرورة إطالة أمد بقاء القوات الأمريكية من عدمه. وقد تعمقت الإنقسامات في أعقاب مقتل العشرات إثر تفجيرات وقعت الشهر الماضي.



وإذا ما توغلنا في أحياء مدينة الصدر الشاسعة، ستطرق مسامعنا إتهامات الناس لللولايات المتحدة بتورطها في التدهور الأمني الأخير مُبينين بأن "الجيش الأمريكي يبحث عن حجة لتمديد الإحتلال".



يقول أبو مهدي، وهو من أهالي المدينة، يعمل بائع سكائر، ان "أمريكا هي المسؤولة عن كل الدمار الذي لحق بالعراق وعلينا طردهم من البلد".



ويستطرد "لن تنتهي الحرب الطائفية طالما بقي الأمريكيون في البلد. وسيستمرون في قتل السنة في الأحياء السنية وقصف الأحياء ذات الأغلبية الشيعية، ومن ثم جعل كل طرف يُلقي باللائمة على الطرف الآخر".



وكانت قد أنفجرت في الشهر الماضي ثلاث سيارات مفخخة بفارق زمني ضئيل أودت بحياة 40 شخصاً في مدينة الصدر، ذات الاغلبية الشيعية، والمعقل الرئيسي لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.



الا أن الكثيرين في أماكن أخرى من العاصمة بغداد يرون ضرورة بقاء الجيش الأمريكي لحين تحسن الوضع الأمني.



إسراء علاء، طالبة جامعية تسكن منطقة الزيونة، تقول "أتفق أنا وأصدقائي أيضا على ضرورة بقاء الأمركيين لفترة أطول،" موضحة بأنها أضحت تقبل وجود أعمال عنف من حين لآخر كحقيقة من حقائق الحياة.



وهي تشير "أنا أتوقع دوماً إنفجار سيارة مفخخة لكن ذلك لن يحول دون مغادرتي المنزل أو أن يجعلني أستسلم لمخاوفي".



من جانب آخر نجد العديد من الشباب البغدادي مستعد للمغامرة بحياته دون الخشية من التفجيرات الانتحارية في سبيل ممارسة حياته اليومية و تذوق طعم العيش في المجتمع.



صفاء صاحب طالب بكلية القانون يقول، "سنشهد تفجيرات بين حين وآخر، ومن يدري فلربما أكون أنا يوماً ما ضحية إحدى تلك التفجيرات".



وهو متفق مع اسراء في الرأي، بأنه من السابق لأوانه أن تغادر القوات الامريكية الآن، مشدداً، "أن تفاؤلنا في هذه المرحلة لم يُبن على أسس متينة لأن قواتنا الأمنية ما تزال غير جاهزة وخبرتها حديثة العهد".



يقف احد الشباب في طابور عند متجر لبيع الخمور كان قد افتتح للتو في حي الكرداة بعد ان شهد هجوما انتحاريا في نيسان هذا العام خلف عشرات القتلى، يعلق الشاب بالقول "لن نتخلص من العنف أبداً".



يشير الشاب إلى سيارته التي أوقفها على مقربة منه، ويقول "أحد جنود الامركيين في الأرتال العسكرية تسبب في كسر زجاجة نافذة سيارتي تلك، لكني أستمر في قيادتها، فالحياة تستمر كما ترى".



وهو لا يكترث ببقاء أو مغادرة القوات الأمريكية للعراق. معلقا "فبوجودهم أو بعدمه يبقى العراق هو العراق".



وقد شهد شهر نيسان من هذا العام أيضا قيام الحكومة بتحمل المسؤولية الكاملة عن الدفع لمجاميع المليشيات من السُنة العرب التي ُتعرف بالصحوة والتي أنشأها الأمريكيون لمواجهة المتمردين.



ويُعزى إنخفاض وتيرة العنف في البلاد خلال السنة الماضية إلى رغبة المتمردين السابقين من صفوف الصحوة في المشاركة ضمن الصراع ضد الجماعات الإسلامية الأكثر تشددا كتنظيم القاعدة في العراق.



لكن تلكؤ المسؤولون الجدد في الحكومة، التي تسيطر عليها غالبية شيعية بدفع رواتب الصحوات، جعل الشك يساور البعض حول تحول ولاءات بعض قادة تلك الصحوات.



وإضافة لذلك، فقد أدى إنخفاض أسعار النفط العالمي إلى قلق متزايد إزاء إحتمال أن لا تكون هنالك إيرادات كافية في خزائن الدولة لتغطية الدفع اللازم لرجال "الصحوات" أو للأيفاء بالوعود المتمثلة بإدماجهم ضمن القوات المسلحة.



حسام جاسم، وهو مقاتل في الصحوة، في سن المراهقة، يسكن حي الدورة الواقعة في جنوب بغداد، يقول "لم نتسلم رواتبنا لثلاثة أشهر متتالية".



ويبين "يحيلنا الأمريكيون إلى الحكومة العراقية التي لا تدفع لنا، وحسب الحالة هذه من سيلقي باللوم علينا إذا ما قررنا العودة إلى صفوف القاعدة؟!".



المتحدث بإسم وزارة الداخلية عبد الكريم خلف اشار من جانبه بأنه "سيتم مواجهة التحديات المالية وإن "القوات الامنية على أهبة الأستعداد لتسلم وتولي مهامها حالما يغادر الأمريكيون قواعدهم".



وبالعودة الى منطقة الغدير، حيث يقول عبد الخالق الشمري أن "العراقيين ليسوا مهيئين بعد لتولي مهامهم، ونحن نحتاج الى مزيدٍ من الوقت لمعرفة ما إذا كنا قادرين على الأعتناء بأنفسنا".



وبينما كان يتحدث الشمري، قام حفيده بالتصويب بإتجاه لوحة رقم السيارة، فأخطأ الهدف وأصاب نافذتها. وأختتم الشمري الحديث معلقا على ذلك، "لقد قلت لكم، يحتاج الأمر إلى مزيدٍ من الوقت والممارسة العملية".



عبير محمد/ صحفية متدربة لدى معهد صحافة الحرب و السلام في بغداد.
Iraq
Frontline Updates
Support local journalists