إصلاح العلاقات الامريكية – العربية

صحفيون، رجال أعمال وأكاديميون، من واجبهم تصغير الفجوة الخطيرة بين " النوايا المعلنة" لأمريكا في الشرق الاوسط وبين العداء المتزايد لها في العالم العربي.

إصلاح العلاقات الامريكية – العربية

صحفيون، رجال أعمال وأكاديميون، من واجبهم تصغير الفجوة الخطيرة بين " النوايا المعلنة" لأمريكا في الشرق الاوسط وبين العداء المتزايد لها في العالم العربي.

Tuesday, 22 February, 2005

العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي تمر في واحده من اخطر الفترات والأكثر تقلبا في التاريخ الحديث. هذه العلاقة تتطلب الان تمعن في البصر من قبل ناشطي المجتمع المدني في كلا المنطقتين، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتمال الكامن الذي تملكه هذه العلاقة للخروج عن السيطرة وتحويل الغضب والعنف الاخيرين الى حرب ثقافية وعسكرية بعيدة المدى والتي سينجم عنها فقط خاسرين في كلا الجانبين.


الشئ اللافت للنظر في هذه العلاقة هو عدم استمراريتها ففي نفس الوقت هناك مؤشرات لصداقة شخصية قوية وعداء عام متطرف. من غير المرجح أن يبقى هذا الوضع ثابتا لفترة طويلة بسبب الطرق الكثيرة المختلفة التي تؤئر فيها السياسات الامريكيه على حياة العرب العاديين. خلال ما يقارب ال 9 أشهر، تحولت الولايات المتحدة من العملاق الذي يلوح في الافق الى ( 800 جنيه استرليني غوريلا) تجلس في أحضاننا. مع وجود ربع مليون من القوات في المنطقة وسياسة معلنة عن الرغبة في إعادة تشكيل السياسة في المنطقة لتصبح أكثر امريكية وصديقة لاسرائيل.


الشئ الاكثر خطورة، و الذي يمكن وصفه بالغير مسئول، الذي من الممكن فعله هو ترك هذه العلاقة تنجرف وتتطور بناء على القوات الشاذة الطباع للسوق السياسية والتي يمكن تعريفها الان بتركيبتها من الجهل المتبادل، الخوف، العنصرية والعسكرية.


هذا الأسبوع، وبينما كنت اشاهد محطات التلفاز الأمريكية والعربية، صعقت لإكتشاف أن الإعلام يصور وبشكل كبير ثقافتينا كخصمين في حالة حرب وفي كثير من الحالات كتهديد ثقافي وديني لكلا الجانبين. إذا ترك الأمر لمجراه الحالي، فإن هذه العلاقة ستتحرك نحو انفصال خطير، من خلاله العرب والامريكيون سيتوجهون لبعضهم البعض بشكل مبدأي من خلال دينامكيتين اثنتين: الرصاص وأكياس الأموال-إما التهديد واستخدام الهجمات العسكرية، المقاومة والإرهاب أو التجاذب المادي.


من المستحيل التوجه الى اي مؤسسة امريكيه في العالم العربي، بما يشمل ذلك المدارس، البنوك، ومطاعم الأكل السريع، بدون الحاجة الى المرور من جندي . عندما تكون بحاجة الى المرور من خلال ترسانة مقاتلين للوصول الى KFC تعلم بأن هناك شيئا ليس على يرام.


السفارات الأمريكية في الشرق الاوسط أصبحت تمثل أكثر وأكثر الحصن الرومانية القديمة كالتي رشمت مناظر الشرق الأوسط من المئة الثانية إلى الرابعة قبل الميلاد- ليس فقط من خلال البناء الجسماني للمجمعات. التي تعليها اسوار ويحيط بها سور امني من جنود القوات الرومانية ومساعديهم المحليين الموكلين، ولكن أيضا من خلال الرمز السياسي مثل المعسكرات الغربية سواء كانت سياسية أوثقافية والمقطوعة من أي اتصال طبيعي مع الناس المحليين.العرب والأمريكيون يجب ان يتشاركوا اللوم على هذا الوضع الحزين.


إرثهم المشترك الذي تعوزه المهارة السياسية جعل الوضع يتفاقم واخذ يخطو بخطوات سريعة مع الوجود الأمريكي في العراق.


معظم العرب ينظرون الى هذا الوجود المعرّّّف بتركيبته من المنطق الغير-شرعي، تبرير غير مثبت وتبعيات إنسانية فظيعة، غموض سياسي مخجل، أخرق في إدارته وبعدم وجود حساسية ثقافية عميقة. الرمز الذي يقع خلف كل ذلك هو خطأ في توجهات أمريكا نحو العراق والعالم العربي بشكل عام والذي يمكن مشاهدته من خلال دونالد رمسفيلد وزير الدفاع الأمريكي والذي صرح مؤخرا انه يمكن للعراقيون ان " يجدوا طريقة لإدارة شئونهم... في اسلوب من شأنه... متوافق مع المبادئ التي نضعها".


الآن اعرف كيف كان وضع الحياة في زمن أيام (الامبراطور ديوكليتين) والذي أعاد تشكيل الجبهات الشرقية للإمبراطورية الرومانية من أجل جعل روما آمنة أكثر من الأخطار القادمة من الشرق. ولكن العراق ليست صورة امريكا الوحيدة في المنطقة.فهنالك خيط من التصريحات السياسية الامريكية الأخيرة وأفعالها تؤشر على مواضيع كثيرة التي تهم واشنطن على الاقل من ناحية الخطابة.


في العام الماضي، غزا الرئيس الأمريكي العراق، أزال حكومتها البعثية ووعد الشعب العراقي الحرية والديمقراطية، ودفع بتشكيل منصب لرئيس الوزراء الفلسطيني ووعد على المثابرة من أجل دولة فلسطينية خلال 3 سنوات، و حتى نهاية الاسبوع الماضي وعد الدول العربية بمنطقة تجارة حره مع الولايات المتحدة.


المنظر الإيجابي هو ان الولايات المتحدة أفاقت أخيرا وتريد ان تسوق الديمقراطية العربية ودولة فلسطينية من أجل ان تتجنب التبعيات الفظيعة للنقطتين الأساسيتين اللتان تحددان سياستها في الشرق الأوسط: الميل الى التعاطف مع اسرائيل والذي يسمح لإسرائيل بالإستمرار باستعمار فلسطين وتعذيب العالم العربي، ونصرة الدول العربية الغير-ديمقراطية التي دعمتها واشنطن على مدى طويل، موّلتها وسلحتها.


النظرة التي تدعو أكثر الى السخرية هو أن الولايات المتحدة ورئيسها يبقيان غير مبالين لإعتبارات أخلاقية، إنصاف أو قانونية في المنطقة العربية، وهم غير مخلصين بشأن تسويق الديمقراطية العربية، الحرية والإزدهار، فهم يسعون فقط لعمل الأقل المطلوب لمنع هجمات إرهابية أخرى ضد الولايات المتحدة وإعطاء وعود ليبرالية التي لا يعنوها او يريدون الاحتفاظ بها.فأهداف وأفضليات الولايات المتحدة في العالم العربي تبقى غير واضحة.


كلمات واشنطن تعكس تفسيرات عامة لأهدافها ولكن أفعالها تدعم الساخرين الذين يروا واشنطن التي تفضل دول شرطوية معتدلة على ديمقراطية عربية حقيقية. هذه العلاقة الملخبطة لا يمكن تركها لوحدها لتجري في طريقها بناء على القوات المنتصرة لهذا اليوم. هذه القوات المنتصرة يحكمها اليوم بشكل كبير الغضب، العنف، وتقريبا العقول الهستيرية في كلاً من أمريكا والمنطقة العربية-حددت تاريخياً لأمريكا منذ 11 سبتمبر 2001 وللعرب من خلال هجمات مارس 2003 على العراق.


اللحظات التي يتعامل فيها العرب والأمريكيون بشكل طبيعي ومريح تشح في نصيب معكوس لفترة الإدارة العسكرية الأمريكية للعراق من خلال الخطاب المتكبّر شبيه الخطاب الروماني من أمثال رمسفيلد. المسئولين العرب والأمريكيون يستمرون في إدارة علاقات بلادهم بتركيبة تستحق الجائزة بعدم المهارة اللازمة وعدم الحساسية. أغلبيتنا لسنا ملزمون لإبقاء هذا الهراء.


في هذه لحظة حيث –غير-مسئولين في المجتمع المدني وعلى شكل الخصوص في الأكاديمية، الإعلام الثقافة والفنون، الأعمال- يجب ان نخطو خطوة الى الأمام وأن ننقذ العلاقة حتى تستطيع عكس الأفضل، وليس الأسوأ، القيم التي تحدد كلا الجمعين.


رامي خوري هو المحرر الإداري لصحيفة الدايلي ستار اللبنانية.


Iraq
Frontline Updates
Support local journalists